IMLebanon

الدامور خارج بيت الطاعة الجنبلاطي

 

 

الانتخابات في الدامور بين الأكثر احتداماً. الصور في كل مكان، والاجتماعات الانتخابية أيضاً، بسبب «عجقة» المرشحين الذين وصل عددهم إلى سبعة من أبناء البلدة. مع ذلك، قد لا ينتج من هذه الجعجعة طحين، مع خشية أهل الدامور من عدم فوز أي من هؤلاء، ما يضع البلدة التي ينتخب فيها نحو 5000 مقترع، خارج التمثيل للمرة الأولى منذ أكثر من 60 عاماً

 

«مظلومية» الدامور تتردّد بين كل الماكينات الانتخابية العاملة على الأرض، كما «مظلومية» آل عون الذين يُشكّلون أكثر من 60% من «الدوامرة». فهؤلاء يعتبرون أن تمثيل عائلتهم بالمرشحة (على لائحة الاشتراكي والقوات) حبوبة عون «إهانة». إذ إن الأخيرة من «عونية (بلدة) المشرف، وهؤلاء ليسوا منّا، بينما أصل العائلة من الدامور.

 

في 2018، غُيّب آل عون عن لائحة التحالف بين الاشتراكي والقوات فصبّت أصواتهم لمرشح التيار الوطني الحر ماريو عون. اليوم، حتى التيار قرّر شطب «العونيين» الذين يجاهرون بعتبهم على أحزاب المنطقة.

هي، إذاً، المرة الأولى التي يُفصل فيها بين آل عون والنيابة بعدما «طُوّب» مقعد الدامور باسمهم منذ العام 1960، عندما اختار كمال جنبلاط على لائحته أحد مؤسسي الحزب التقدمي عزيز عون. وقد نجح «طبيب الفقراء» بأن استقطب أهالي بلدته للالتفاف حوله وبقي نائباً لـ 4 دورات متتالية وحتى وفاته.

 

 

 

 

بعد انتهاء الحرب الأهلية وعودة أهالي البلدة إلى مسقط رأسهم، ولأن «الجنبلاطيين» كرسوا عرفاً بأن تكون حصة الدامور في المجلس النيابي محفوظة لآل عون، وقع اختيار وليد جنبلاط على إيلي عون. لكن «الدوامرة» الذين التفّوا حول عزيز عون انفضوا عن إيلي عون، خصوصاً بعدما دخل شريكاً مع رجل أعمال سعودي في مشروع عقاري ضخم في البلدة أثيرت شكوك وتساؤلات كثيرة حوله. لكن ليس هذا ما دفع جنبلاط، عام 2018، إلى الاستغناء عن عون واعداً بترشيح نجله في الدورة المقبلة (من دون أن يفي بذلك)، بل إن خريطة الدامور هي التي «خربطت» حسابات «البيك».

 

 

ببساطة، لم يعد جنبلاط قادراً على احتكار الدامور بعدما باتت نقمة «الدوامرة» عليه كبيرة. بالنسبة إليهم، زعيم المختارة لطالما كان الحاكم الآمر في بلدتهم وحولها: يفرض المجلس البلدي والمقعد النيابي، وكانت له اليد الطولى في مصادرة سهل الدامور وتسهيل استيلاء أصحاب المنتجعات السياحية على شاطئهم. وما يستفزّهم أيضاً أن «البيك» شوّه بلدتهم التي لا يزال معظم منازلها «على الباطون». فهو، عندما تسلّم حزبه وزارة المهجرين، لم ينصفهم في التعويض عن منازلهم المدمّرة مقابل دفع مبالغ مضاعفة لمن «احتلوا منازلنا»!

 

«الوطني الحر» لن يتأثر بماريو

هكذا خرج «الدوامرة» من بيت الطاعة الجنبلاطي. الزخم القواتي في البلدة يغطّي زخم بقية الأحزاب. استعاد حزب سمير جعجع ذاكرة الحرب الأهلية وتاريخه «في الدفاع عن البلدة بعد تهجير أهلها وتقديم الشهداء»، ونجح، بشدّ العصب الطائفي، في استقطاب العديد من مناصري حزب الكتائب. لكن سمير جعجع ليس وحيداً هنا. حضور التيار خجول، لكن ماريو عون تمكّن أيضاً من خلق حالة شعبيّة. ليست خدماته وحدها، خصوصاً الاستشفائية، ولا شعارات الإصلاح والتغيير هي التي «جرفت» الكثير من «الدوامرة» في «التيار»، بل لآل عون الدور الأكبر في ذلك، إذ شعروا بأنّهم امتداد لرئيس الجمهوريّة ميشال عون.

اليوم، خرج ماريو عون من التيار، ويُردّد أن عمله في مسقط رأسه سيتركّز على تجيير الأصوات التفضيلية للوزير السابق وئام وهاب على حساب نائبَي التيار غسان عطالله وفريد البستاني. ومع ذلك، يؤكد «العونيون» أنّ التيار لن يتأثر، وأن ماريو «لا يمون»، ولن يحصل وهاب على أكثر من 25 صوتاً هم فعلياً عائلة ماريو ودائرته اللصيقة، مشدّدين على أنه لم يتمكّن من بناء زعامةٍ حقيقيّة مفصولة عن حزبه.

 

 

في المقابل، يبدو التيار مرتاحاً ولو أنّه لا يملك مرشحاً دامورياً. ففريد البستاني لم يقفل أبواب مكتبه طوال 4 سنوات. خدمات استشفائية، أدوية لـ165 عائلة من البلدة، تقديم الدعم لمؤسسة مار يوسف، بناء الملعب البلدي، إضاءة الشوارع بالطاقة الشمسية، مساعدة في دفع الأقساط المدرسيّة… من يطرق باب المكتب ترده الإجابة: «الدكتور كل خميس موجود هنا لاستقبالكم». لذلك، يجد العديد من أهل الدامور، حتى من غير العونيين أو أولئك العاتبين على أداء التيار، أن البستاني يُمثّلهم أكثر من ماريو نفسه. ولذلك، يتوقّع أن يحصل البستاني على أكثر من 850 صوتاً في البلدة.

 

ترشيح قرداحي «رفع عتب»

ومع ذلك، فإنّ كثيرين من أهل الدامور سيصبّون لمصلحة مرشّح القوات إيلي قرداحي، مع قدرته على استمالة بعض قدامى الكتائب رغم العتب عليه لانتقاله من حزب آل الجميل إلى حضن سمير جعجع.

«لأنكم بتعرفوا، انتخبوا» هو الشعار الذي يُذيّل صور قرداحي داخل الأحياء. يجمع كثر من «الدوامرة» على أنه «آدمي ونضيف»، لكن الرجل لن يحصل على لقب نائب، وترشيحه أشبه بـ«رفع عتب» لاسترضاء البلدة واستنهاضها ورفع الحاصل الانتخابي للائحة الشراكة والإرادة. إذ إنّ القوات لا تملك في الشوف قدرة تجييرية كبرى تخوّلها توزيع أصواتها بين قرداحي والنائب جورج عدوان، والحصول على حاصلٍ ثانٍ، وعلى الأرجح سينال عدوان في الدامور ضعف أصوات قرداحي.

 

لم يعد جنبلاط قادراً على احتكار الدامور بعدما باتت نقمة «الدوامرة» عليه كبيرة

 

 

لذلك، يُراهن بعض «الدوامرة» على «لائحة توحّدنا للتغيير». فإذا تمكنت من الفوز بحاصلين سيكون حكماً لصالح مرشح سني وآخر ماروني. لذلك يأمل أهالي المنطقة باسترجاع مقعدهم عبر المرشحة نجاة عون. الدكتورة المتخصصة في الكيمياء في الجامعة الأميركيّة، يعتبرونها من أفضل المرشحين، خصوصاً أنّها قد تستقطب آل عون العاتبين على استبعادهم من لائحتَي القوات والتيار.

عون هاجرت إلى أميركا وتزوّجت من خارج البلدة. منزلها لم يكن في دائرة القرار السياسي يوماً أو محسوباً على حزبٍ معين، وعائلتها انصرفت إلى زراعة الأراضي التي تمتلكها في سهل الدامور رافضةً الإغراءات لبيعها. تطرق الدكتورة الحائزة على جائزة لوريال للمرأة في العلوم لعام 2019، أبواب أهالي منطقتها وهي التي عملت معهم في مشاريع بيئية عبر البلدية.

في المقلب الآخر، يتناقل أهالي الدامور روايات عن أموال يغدقها المرشح عبدالله بو عبدالله على بعض الناخبين في المنطقة والإفطارات التي يُقيمها على شرف أهالي الإقليم. يبدأ نهار «البوي» باكراً عند الجسر المؤدي إلى البلدة. كثيرون يتحلقون حول «القواتي» السابق الذي يعتبر نفسه اليوم «ثورجياً». يعرف المتابعون أن الرجل ممنوع من دخول معراب، إلا أنهم يتوقعون أن يكون ترشيح بو عبدالله من مصلحة القوات كي لا تذهب أصواتها لصالح قوى التغيير، فيما يلفت آخرون إلى أنّ «البوي» ناقم على الجميع ولذلك ترشّح ضدهم جميعاً.

 

النيابة vs البلدية

في الدامور يختلط حابل الانتخابات النيابية بنابل الانتخابات البلدية بعد تأجيلها إلى السنة المقبلة. يحسبها المرشحون للانتخابات البلدية والاختيارية جيّداً قبل الإدلاء بدلوهم. هذا تحديداً ما يحصل مع المختار طوني غريّب الذي يحصل عادةً على نسبة تصويت أعلى من تلك التي يحصل عليها رئيس البلدية. اليوم يقف المختار على الحياد بعد أن كان يردّد أنه يُفضّل النائب فريد البستاني من دون غيره من المرشحين.

فيما آل غفري يلعبون على كل الحبال. من فوق الطاولة يقولون إنهم سيصبّون لصالح المرشح إيلي قرداحي على اعتبار أن الأخير هو ابن عم ماري تيريز والدة رئيس البلدية شارل غفري.

قبل أيّام، عقد آل غفري اجتماعاً في منزلهم دعوا إليه مناصري قرداحي من دون غيرهم، بهدف دعمه انتخابياً. فيما يشير بعض المقربين من غفري إلى أنه عقد اتفاقاً بالتجيير لصالح فريد البستاني! لذلك، يعتقد أهل الدامور أن آل غفري سيعطون القليل من الأصوات لقرداحي والقسم الأكبر لبستاني من دون كسر الجرة مع أحد، حفاظاً على «رؤوسهم» في الانتخابات البلدية.

أما المرشح السابق للانتخابات البلدية الياس العمّار المقرّب من ماريو عون، فلم يعلن حتى الساعة موقفه، علماً أن شقيقه طوني سيكون مرشحاً إلى الانتخابات البلدية المقبلة. فيما أبلغ أهل الدامور أنه سيفتح منزله الأسبوع المقبل لبدء العمل في الانتخابات النيابية، ويرجح البعض أن تصب أصوات العمّار لصالح لوائح المجتمع المدني وتحديداً المرشحة نجاة عون.

 

شيوعيو الدامور

من عائلة تقليدية برجوازية في الدامور، خرج طانيوس أندراوس للعمل في إحدى مطابع بيروت. هناك انشغل الشاب العشريني في العمل النقابي. أثناء صفّه للمنشورات السرية التي كانت ترد إلى المطبعة التي يعمل بها، أُسر أندراوس بأفكار الحزب الشيوعي، وسرعان ما انخرط في العمل السري مع مؤسسي الحزب مصطفى العريس ونقولا الشاوي.

لم يُحرج الشاب البروليتاري من المجاهرة بميوله اليسارية في بلدة ذي توجّه يميني. وكان الثمن بأن طردته عائلته من البلدة التي لم يعد إليها إلا بعد سنوات مع زوجته وأطفاله. ومع ذلك، لم تكن العودة سالمة. الرجل أكل نصيبه «من الميلتين». كان منزله يتلقى رصاص «الأصدقاء» الذين كانوا يقصفون الدامور. فيما كان اتّهامه جاهزاً بعد خطف شبّان من الدامور ولو كان يتوسّط مع رفاقه للبحث عنهم. وهذا ما دفع حزب الكتائب إلى تفخيخ منزله بعبوةٍ وضعت على مدخله، بالإضافة إلى محاولة دهس ابنه. ومع ذلك، أبقى أندراوس على ماركسيته ليكون أول شيوعي في الدامور.

إبّان مجزرة الدامور في العام 1976، هُجرت عائلة أندراوس مع بقية «الدوامرة». ولكن الرجل اختار برجا لينضم إلى رفاقه في الجبهة الشعبية حيث انخرط في الكفاح المسلّح مع ابنه ربيع.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية، انتقلت العائلة إلى المشرف. لم يكن ربيع يريد أن يكون لابنه وسام صلة وصل مع الحزب الشيوعي. وسام تأثر بالقوات قبل أن يعرف في عمر الـ14 سنة من بعض أصدقاء والده أن الأخير كان مقاتلاً في الحزب الشيوعي.

 

ولأن ربيع كان بعيداً، حاول وسام اكتشاف والده من خلال أفكار كارل ماركس. وبدلاً من أن يتعرّف إلى والده، اكتشف هويته، فانضم إلى الحزب بعدما أتمّ الـ18 سنة.

وإذا كانت عائلة أندراوس هي أولى البيوت الشيوعية في الدامور إلا أنها لم تعد وحيدة، علماً أن البيوت اليسارية بغالبها في منطقة المشرف الملاصقة للدامور والتابعة بجزءٍ من أراضيها إلى بلدية الدامور.