Site icon IMLebanon

رقص.. واستحضار أرواح أم إحياء نظام ميت؟

في مثل هذا اليوم، تحضر «النداء»، الصحيفة التي اختزنت تاريخ البلد. تاريخ فقرائه، مقاومته، كل الكادحين فيه ونضالاتهم، تاريخ قرى منسية لم يزرها أحد إلاّ لجمع الأصوات، تاريخ السيادة الوطنية، تاريخ المقاومة العربية وخصوصا مقاومة شعب فلسطين.

بالنسبة لأي تقدمي وشيوعي في لبنان، اختزنت «النداء» تاريخنا. في أيام الاحتلال الصهيوني والسلطة اللبنانية التابعة له. في أيام المقاومة الأولى ونحن في سكن غير معروف، كانت تتسلل إلينا، بيضاء أغلب الأحيان، مثلها مثل «السفير». نحبها وهي «بيضاء»، نجلس أمامها قارئين ما وراء الأبيض. نستعيد كلمات حسين مروة في حديثه عن انتفاضة الأطفال، انتفاضة برجا الأولى، ومحاولين ترجمة الأبيض بما يكتبه خليل الدبس وسهيل طويله، أو ربما نرى من وراء الأبيض ذاته تصريحاً لجورج حاوي.

لم يمنعها الرقيب من أن تنقل لكل الشيوعيين، نهج المقاومة وأخبارها وروح التحرير، كنا نتلمسه حتى بالأخبار التي «يقصر» بحقها مقص الرقابة. نحاول تلمسه في أخبار الثقافة والرياضة.

هي الآن، تواكب بتواضع ولكن بوضوح. ما زالت تحتفظ بصلابة المقاوم وانحياز المناضل من أجل حقوق الفقراء. في عيدها، لها كل التحية ولكل من يمسك ولو بإمكانيات ضعيفة، بيديها من أجل البقاء.

***

تستمر رقصة «زعماء البلد» على جثة نظامهم، محاولين استحضار الأرواح لإنقاذه، ممارسين لكل الشعوذات، بما فيها «تزويج الذكر للذكر». كل شيء مباح. لا حدود للتنازلات. ليس مهماً أن يكون «رجل السعودية الأول» هو من يرشح «إبن الخط». ولا همّ أن يستعرض «حكيم آذار» طروحاته الإمبراطورية، ليتوج بما يقارب الإذلال، شيخاً طامحاً لوظيفة الرئيس ولو تحت لافتة الحفاظ على الطائف!

ما نشهده هو رقص فوق جثة وطن يحتضر. رقص فوق نظام ما زال يتمتع بقوة نحر الوطن لخدمة مكوناته، زعامات وطوائف. نظام يختلف أربابه على الحصص ويتفقون على إبقاء النفايات تملأ الشوارع. الفساد ينخر كل شيء، من صحة المواطن إلى سكنه إلى جامعته ومدرسته، ومؤخراً إلى قضائه الذي وبفعل السوس السياسي داخله، أطلق سراح ميشال سماحة والعميل الإسرائيلي أديب العلم؛ بينما يتبختر القضاء وقوى الأمن فيه على شباب انتفضوا من أجل الشعب والوطن.

***

الأسوأ في كل هذا الرقص السياسي، هو محاولة إنقاذ النظام عبر الإصرار على الطائف. وكأن ربع قرن من القهر والظلم والفراغ والسرقة والفساد، لم تكن كافية. كأنهم يريدون مجدداً وضع أسس حرب أهلية جديدة يتقاتلون فيها بالفقراء لاستعادة أسس محاصصة جديدة «تطور» اتفاق الطائف. وذلك كله تحت شعار «وحدة الطوائف»، كمقدمة لوحدة الوطن.

إن تاريخنا أثبت أن «حقوق الطوائف» لم تكن يوماً إلاّ على حساب الوطن، وعلى حساب المواطن الذي تسلب حقوقه لمصلحة زعامات الطوائف وعائلاتها وأزلامها؛ فيصبح من دون سكن، ومن دون ضمانات اجتماعية ووظيفته مهددة وتعليمه الرسمي منحدر.

على حساب الوطن، لأن كل محاولة من هذه المحاولات، كانت تستلزم حرباً أهلية، هي مستمرة اليوم، لا تهدأ إلاّ في عاصمة خارجية وعلى أساس اتفاق إقليمي ودولي.

وهل من يطالب باستعادة حقوق المسيحيين اليوم، على قاعدة ثنائية تتماهى بالثنائية الشيعية وأحادية السنة والدروز، يعتقد بأن أبناء المناطق الأخرى قد وصلت لهم حقوقهم؟

مَن قال لهؤلاء إن أبناء الجنوب والبقاع، سعداء بثنائية (حزب الله ـ أمل) وهي الثنائية التي إذا استثنينا المقاومة منها، لم تفعل إلاّ فرض نمط حياة على أهالي هاتين المنطقتين واغتصاب الحقوق المشروعة للمواطن. ومن جهة أخرى، من قال لهم إن أبناء هذه المناطق «سعداء»؟

يكفي أن تراجعوا الانتخابات البلدية والتحركات الشعبية في هذه المناطق، لكي يصلكم الجواب.

ثم من قال لهؤلاء أيضاً إن إهالي الجبل سعداء بالأحادية الجنبلاطية. هل هم سعداء بحالة القمع المقنّع التي يمارسها، وهل هم سعداء بمطمر الناعمة ومعمل سبلين والمشاريع الأخرى.

ومن قال لهؤلاء إن أهالي بيروت وطرابلس، سعداء بأحادية سيطرة «المستقبل» وتفرعاته وهي أحادية وهمية على كل حال. هل إن هذه الأحادية وفت بتعهدات الحريري لعكار وطرابلس والإقليم وصيدا والبقاعين الأوسط والغربي؟

إن الشعب اللبناني لطالما عبّر عن رفضه لهذه الثنائيات والأحاديات ونظامها الفدرالي الطائفي: نظام المحاصصة. صحيح أن التحركات لم تؤدِّ إلى نتيجة حاسمة بنتيجة «قوة النظام» والظروف الإقليمية والمحلية وضعف القوى الديموقراطية، ولكنها أثبتت أن الشعب اللبناني يرفض هذا الواقع الخطير.

اليوم، نحن أمام تحدٍّ جديد، يتمثل برفض محاولات تجديد النظام على حساب الوطن والشعب. تحدي رفض المسرحيات، سواء تلك التي جرت في باريس أو على مسرح معراب الأمبراطوري.

إننا مجدداً أمام ضرورة العمل من أجل الدولة المدنية الديموقراطية، دولة الرعاية الاجتماعية، والمدخل يكون بإعادة تكوين السلطة باتجاه انتخابات ديموقراطية تشكل مفتاحا لبناء الدولة المدنية الديموقراطية المقاوِمة، عبر انتخابات على أساس نسبي وخارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الوطنية الواحدة، ليشكل الإطار المنتخب، مجلساً تأسيسياً إنقاذياً.

إن إجراء انتخابات بلدية واختيارية اليوم أهم بكثير من مسرحيات انتخابات الرئاسة أو إحياء الحكومة الميتة أو إنقاذ مجلس نيابي مهترئ.