IMLebanon

رقصة وداع الرئاسة تدور و”فكرة لبنان” على المحك الإخفاق الماروني كبير زمنياً وروحياً و”التأسيسي” ماثل

لا إشارات ولا بشائر بولادة رئيس للبنان، وكل شيء هنا على ما لا يرام. ولا حتى حركة في هذا الاتجاه، عدا تحرك منفرد لمدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا جان فرنسوا جيرو بغطاء فاتيكاني. لكن ثمة فسحة مفتوحة على لقاءات ورسائل إعلامية وسلكية وتبادل هدايا وضيافات وأوراق عمل لا تخلو من ايجابيات بين المرشحين القطبين المارونيين، الدكتور سمير جعجع والجنرال ميشال عون ، وحوار آخر معروف سقفه مسبقاً بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”.

على رغم ذلك، تبقى الرئاسة شاغرة بعد 17 جلسة انتخابية . يبقى الخوف كبيراً من إضاعة تضحيات أجيال من الأجداد والآباء ، وما أنجزه اللبنانيون معاً منذ إنشاء لبنان الكبير. فالحوارات المجدية التي تفضي إلى سلام داخلي حقيقي وإلى تحديد الأولويات للنهوض بالبلاد، لا يمكن إلا أن تمرّ برئيس للجمهورية، انتخابه ضرورة للبنان، ومن دونه لا حضور للدولة ولا إنطلاق نحو المستقبل.

يطيب للبعض في مقارنة للمرحلة بتجارب سابقة، أن يستعيد المواجهة المشتركة واليتيمة للجنرال ميشال عون والدكتور سمير جعجع العام 1988 لمعادلة “مخايل الضاهر أو الفوضى”، في مقابل المعادلة المطروحة اليوم “الرئيس التوافقي أو الفراغ”. التقى القطبان ضد المرشح النائب آنذاك مخايل الضاهر المتفق عليه بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والمبعوث الأميركي ريتشارد مورفي، لكنهما لم يتفقا على رئيس. واليوم يقفان ضد “الرئيس التوافقي أو الضعيف”، ولكن ليس ما يشير إلى إمكان أو قدرة لاتفاقهما على رئيس بفعل من تعنت وكثير من مكابرة. أدى انقسامها اللاحق الى خسارة صلاحيات رئاسة الجمهورية في اتفاق الطائف، واليوم قد يفقد اللبنانيين الرئاسة والجمهورية. لكنهما لا يتساويان في مسؤولية لسبب بسيط أن جعجع مستعد للانسحاب لمرشح توافقي وعون لا. فهذه آخر معاركه السياسية الكبيرة.

على رغم ذلك لا بأس في الحوار ولو بلا جدوى فهو مهدئ للخواطر، ولا بأس بأوراق عمل وتبادل أفكار ولو دارت على نفسها مراراً. الجنرال يريد دولة قوية مثلاً، وما أسهل السؤال: هل تقوم دولة قوية وتستقيم بوجود حزب أو ميليشيا تحمل السلاح خارج إطار الشرعية؟ وما أسهل الجواب: هذه مشكلة تخضع للتأجيل. فلنضع الآن أوراق عمل من أجل بناء دولة قوية!

يقول أحد العاملين على الخط العلماني الفاتيكاني ان “الكرسي الرسولي يعرف واقع الأمر تماماً في لبنان، ويدرك ان استعادة الموارنة لدورهم المفقود يتطلب الكثير، والمسؤولية تقع على الجميع مسيحيين ومسلمين”. وإذ يفضل عدم التعليق على إخفاق قادتهم الدينيين من خلال إشهارهم براءة ذمة في إعلاء للصوت ولعب بعض قادتهم الزمنيين على حبل الهاوية، يعقب قائلا:” الوقت الآن هو لانتخاب رئيس. هذه هي أولوية الفاتيكان، و”فكرة لبنان” على المحك، فإما ينجزها اللبنانيون معاً أو لا تكون”.

ويرسم أحد حكماء الموارنة من الذين لم تسعفهم الظروف للوصول إلى سدة الرئاسة في السابق، صورة الوضع القائم كالتالي: الأفرقاء يتناوبون على الحوارات الثنائية وهذا جيد، لكنهم في الحقيقة يتمايلون على الحلبة في رقصة تانغو هجينة إذ ينقصها الشريك، كأنها رقصة وداع للرئاسة، في انتظار التئام الظروف التي ستفرض عليهم إمرار تسوية آنية أكبر من “دوحة” وأصغر من “طائف”، علما أن بعضهم يتمنى عقد مؤتمر تأسيسي لا يعلم غير الله إلى ماذا يمكن أن يوصل. ولعلّ حافظ أسرار البطريركية المارونية لأربعة وثلاثين عاماً الخوري ميشال العويط كان خير من وصف وضع هذه الجماعة في كتابه “وصيّتي إلى الموارنة”، إذ كتب: ” الموارنة الآن هم في صميم الألم المسيحي الكبير، ألم الجلجلة… وهم ربّما يواجهون التحدّي الأشدّ خطورة في تاريخهم كشعب، وفي تاريخ الجماعات المسيحية الشرقية على السواء، وهو تحدّي الوجود… إنهم يتخبّطون الآن في ظلمةٍ دامسة، وفي منزلقاتٍ خطيرة. فقد أعمت الكثيرين منهم أمجاد الدنيا وتناسوا أنه لا يمكنهم أن يعبدوا ربين، فوقعوا في الخطر الوجودي الكبير”.