Site icon IMLebanon

الرقص على حافة الهاوية

 

بيان السفارة الأميركية في شأن حادثة قبرشمون، تضمن تحذيراً من مغبة، تسييس هذه الحادثة، ناصحاً بتركها إلى القضاء الذي يفترض به ان يكون نزيهاً وعادلاً ليقول كلمته فيها كما حذر من الوقوع في فخ الفتنة، لا يعتبر كما يدعي البعض تدخلاً في شؤون لبنان الداخلية، بل هو بكل مضامينه يعبر عن قلق المجتمع الدولي على الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان في حال استمر البعض في تسييس هذا الحادث الأليم والمؤسف معاً واستحضار مناخات الفتنة في البلاد التي ما زال اللبنانيون يعانون من نتائجها المدمرة على البشر والحجر رغم مرور أكثر من نصف قرن على حدوثها، في الوقت الذي يجب ان تتضافر كل جهود اللبنانيين، مسؤولين وقيادات وشعب لطي هذه الصفحة السوداء واقتناع الجميع بوجوب حمايته من أي خطأ يُمكن ان يعيده إلى أجواء الفتنة والاحتراب الداخلي الذي في حال حصوله سيقضي على كل مقومات الوطن.

 

وكان على هذه القيادات، وعلى المسؤولين بصورة خاصة تلقف الرسالة الأميركية وإعادة النظر في طريقة التعاطي مع هذه الحادثة بالشكل الذي يبعدها عن التسييس بمعناه الواسع، والذي لا يؤدي إلا إلى تسعير الحالة العامة، وإلى إثارة الغرائز الطائفية والمذهبية وإلى دفع الأمور نحو المزيد من التأزم والتوتر وإلى تعميق الإنقسام بين اللبنانيين، على خلفيات طائفية ومذهبية في الوقت الذي يُدرك الجميع أن التركيبة اللبنانية لا تحتمل مثل هذه الأجواء، ومن واجب الجميع الدفع في الاتجاه الذي يطفئ النار لا أن يشعلها، وفق التعبير اللبناني المعروف.

 

ولا يستغربن أحد أن تأتي الرسالة الأميركية هذه، غداة ما نشرته وسائل الإعلام نقلاً عن زوّار رئيس الجمهورية في ما يتعلق بحادثة قبرشمون، ولم يصدر عن دوائر القصر أي نفي له من أن رئيس الجمهورية يرى أن الحادثة كانت مدبرة، ومخططاً لها مسبقاً من الحزب التقدمي الاشتراكي لاغتيال الوزير جبران باسيل وليس لاغتيال الوزير صالح الغريب، ورأت السفارة الأميركية، ان ما نسبه الزوار حول الحادثة المؤسفة والمؤلمة هو منتهى التسييس، لأنه يُشكّل استباقاً لنتائج التحقيقات التي يجريها القضاء المختص في حين تقتضي المصلحة الوطنية العليا ترك الأمر إلى القضاء بعيداً عن أية تدخلات سياسية من هنا ومن هناك وبالتالي عدم تسييس الحادثة.

 

الواجب يقتضي من المسؤولين الابتعاد كلياً عن التسييس والاحتكام إلى القضاء الذي يجب أن يكون منزها ليقول كلمته النهائية والعمل في الوقت نفسه، على تهيئة الأرضية المناسبة لاجراء مصالحة بين الأفرقاء المعنيين بهذا الحادث صوناً للسلم الأهلي وتجنباً للسقوط في هاوية الفتنة التي يعرف الجميع متى تبدأ غير انه ما من أحد يعرف متى وكيف تنتهي خصوصاً وان اللبنانيين لم ينسوا بعد مآسي وويلات الحرب الأهلية التي عاشوا فصولها وكوارثها عليهم جميعاً، الا إذا كان هناك من مخطط لاشعال النار في البلاد، الأمر الذي حمل السفارة الأميركية التي تراقب الوضع عن كثب على اتخاذ هذا الموقف التحذيري من جهة والناصح من جهة أخرى، أو للقول بأن هذا البلد الذي يرقص على حافة الهاوية تحت المجهر الدولي، وما رسالتها الأخيرة سوى خطوة تحذيرية وجرس إنذار أخير قبل الإجراءات العقابية التي ربما ستترجم بتوسيع مروحة العقوبات.