صديق مشترك لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع والنائب وليد جنبلاط روى لعدد من اصدقائه المقربين انه سمع من الرجلين في الايام القليلة الماضية كلاما محبطا عن التطورات في المنطقة واحتمال انعكاسها سلبا على قوى 14 آذار في لبنان، انطلاقا من تسارع الاحداث السياسية والعسكرية في سوريا، والمفارقة ان «الحكيم والبيك» متوجسان من الموقف السعودي، الاول يبحث عن اجابات عن فائض «الحنان» تجاهه ويخشى ان يطلب منه في المرحلة المقبلة ما يمكن ان يفوق قدراته، ما يعني ان «ورقته» قابلة للاحتراق، والثاني «متوجس» لكن من ابتعاد القيادة السعودية عنه ويخشى ان يكون خارج «الحسابات» في اي تسوية محتملة. لكن ما يجمع الرجلين وحدة في تقويم موقف الولايات المتحدة «المغرمة» بايران، وهي بحسب ما يراه احدهما تقوم برقصة «ستربتيز» في نادي روسي «للتعري» لكنها ستذهب للنوم في «سرير» ايراني..
اوساط ديبلوماسية في بيروت ترى ان هذا القلق مشروع، فسواء «باعت» الولايات المتحدة حلفاءها في لبنان والمنطقة، ام فشلت في استراتيجيتها السورية، فسلمت بالامر الواقع لوقف تداعيات تمدد الارهاب، فان الخلاصة تفيد بان ثمة تسوية للحرب في سوريا دون التمسك بشرط رحيل الرئيس بشار الاسد. و ما هو واضح اليوم ان واشنطن تعمل على «تقسيط» التراجعات وتحاول مساعدة حلفائها على «هضم» المرحلة المقبلة، لكن المشكلة الرئيسية ان هؤلاء لا يعرفون موقعهم من التسوية التي تبدأ «بتعويم» النظام السوري.
ومن لديه الحد الادنى من «الفطنة» يدرك ان موقف وزير الخارجية الاميركية جون كيري حول عدم اشتراط رحيل الاسد لبدء المفاوضات حول اي تسوية مفترضة، هو اول «غيث» تراجعات الادارة الاميركية تقول الاوساط، التي تحاول تسهيل تمرير الاتفاق مع الروس من خلال تسويقه على مراحل تبدأ بهذه الصيغة المبهمة والمقترحة من رئيس الدبلوماسية الاميركية، فهو اولا واخيرا اقر بشرعية الاسد بصفته الطرف الممثل للدولة السورية على طاولة المفاوضات، اما التفاصيل فتسكنها الشياطين التي يعرف «خصوم» دمشق في لبنان انها تعرف جيدا كيف تستفيد منها وتطوعها لصالحها، وهذا يعني ان «لعبة الوقت باتت لصالح الدولة السورية.
أما «صدمة» هذه القوى فسببها تطمينات سعودية تحدثت عن «مسايرة» اميركية مرحلية لروسيا لتمرير التفاهم حيال التدخل الروسي في أوكرانيا ولا رابط لما يحصل باعادة «الروح» للنظام السوري، لكن مرة جديدة يثبت ان الاميركيين في واد والحلفاء في واد آخر، الخارجية الأميركية ابلغت الرياض انها ما زالت تدرس اقتراح الروس بإجراء حوار على مستوى عسكري بين البلدين حول سوريا، لكن سرعان ما تم الاتصال على اعلى المستويات العسكرية بين البلدين، وتبين لاحقا ان الخطوات العسكرية الروسية تتم بموافقة اميركية ضمنية خرجت الى العلن مع اعلان واشنطن ترحيبها باي مشاركة عسكرية روسية في قتال «داعش». وفيما كانت القيادة الاميركية تعلن ان لا تنسيق بينها وبين الدولة السورية والجيش السوري في سياق حرب التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا، تبين ان الولايات المتحدة تنسق هذه الجهود بطريقة غير مباشرة عبر «القناة» العراقية تحت عنوان عدم التصادم في الاجواء السورية. اما برود رد الفعل الاميركي حيال استخدام الجيش السوري مؤخرا لأسلحة متقدمة زوده بها الروس فهو يعكس تواطؤا اميركيا عبر عنه الناطق باسم الخارجية عندما اكتفى بالاعلان ان الولايات المتحدة أعربت عن قلقها حول المساعدات والعتاد العسكري الروسي لنظام الأسد لأن ذلك سيساعده في استمرار عنفه ضد شعبه، مع العلم ان الاستخبارات الاميركية تعرف جيدا من خلال معلومات «ارضية» وجوية موثقة إن خمس مقاتلات روسية حديثة وصلت إلى قاعدة جوية في محافظة اللاذقية، ظهر يوم الجمعة ترافقها طائرة شحن كبيرة. وهذه المقاتلات الحديثة ستتيح للقوات الجوية السورية إمكانية كبيرة لتعقب أرتال « داعش» و»جبهة النصرة» وقصف مواقعهما بقوة أكبر. كما أن وجود القوات البرية للجيش السوري على الأرض، إضافة لاستخباراته سيعطي لتلك المقاتلات قدرة أكبر على تحقيق فعالية قتالية تفوق بكثير فعالية مقاتلات قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. ومن المعلوم أن المقاتلات الروسية الحديثة التي وصلت إلى اللاذقية هي الدفعة الأولى من مقاتلات أخرى، ومن أسلحة متطورة ستصل للجيش السوري في إطار تعاون روسي ـ سوري معلن لمحاربة الإرهاب.
حلفاء واشنطن يدركون ان الدعم العسكري الروسي المفتوح لدمشق يأتي في ظل اتفاق روسي ـ أميركي ورضى أوروبي، في وقت تُبدي العواصم الأوروبية مرونة غير مسبوقة في خطاب قادتها تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، لاسيما ألمانيا وإسبانيا اللتين أعلنتا صراحة بأنه لا مانع من دور للأسد في المرحلة المقبلة، وقبل ساعات خرج كيري بتصريحه الاخير حول عدم اشتراط رحيل الاسد الفوري للبدء بمفاوضات المرحلة الانتقالية.
في هذا الوقت وفيما تتدفق المساعدات الروسية العسكرية لسوريا، جاءت الاخبار الاكثر «اثارة»، ثمة اتصالات بين استخبارات دول أوروبية ونظيرتها السورية للتنسيق والتعاون في إطار محاربة «داعش»، فيما يركز الاميركيون على سبل تعزيز الحرب على «التنظيم» من خلال اتصالات سرية وعلنية مع موسكو، وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر التقى وزير الخارجية جون كيري للتباحث حول استراتيجية جديدة لمواجهة الوضع القائم وتم وضع توصيات جديدة تاخذ بعين الاعتبار ضرورة توسيع حجم التنسيق مع الاستخبارات السورية بعد انهيارالقوات الخاصة الممولة اميركيا لقتال «داعش» حيث لم يتبق منها سوى اربعة مقاتلين! وجاء اعتراف الناطق باسم الخارجية الاميركية ان برنامج التدريب والتسليح للمعارضة السورية يواجه تحديات وسيجري إعادة تقييم هذا البرنامج ليزيد من قلق الحلفاء. وعندما سئل اذا كان رفض المقاتلين السوريين الانضمام للبرنامج لاشتراط الأميركيين قتال «داعش» فقط أجاب: «ان الهدف من تدريب وتسليح قوات المعارضة السورية هو حماية مناطقهم من قوات «داعش» أولا ثم ثانيا التصدي للتنظيم في مناطقها، ثم في النهاية المشاركة في عملية انتقال سياسي في سوريا»؟ واذا عطفنا كلامه على تصريحات كيري يعني ان هذه القوة ستكون شريكة للنظام السوري في قتال «داعش» ثم في المرحلة الانتقالية وبعدها في التسوية.
امام هذا المنعطف الخطير تسود البلبة في بيروت، ما يشعر به جنبلاط وجعجع غير بعيد عما يدور في خلد قادة قوى 14 آذار، يدركون ان ثمة تحولات خطيرة تحصل، لا يعرفون موقع لبنان على هذه الخريطة التي ترسم بين «الكبار»، هم يدركون بالمعلومات ان محضر تلك اللقاءات ينقلها الروسي بامانة شديدة الى الايرانيين والسوريين، ويطلع عليها حزب الله بتفاصيلها «المملة»، الحليف الاميركي ليس في هذا الوارد، والسعودي لا يعير لهذا التفصيل اهمية، يخشون المرحلة المقبلة حيث بدأ اسوأ «كوابيسهم» بالتحول الى واقع، الاسد باق، فما العمل؟ لا جواب عند «الحكيم» او «البيك»، وليس هناك من داع لخسارة تكلفة مخابرة دولية لسؤال «الشيخ»سعد…