Site icon IMLebanon

«الرقص» مع السلاح النووي!

العالم في خطر. النار النووية تقترب منه. كبسة زر من الزعيم الكوري كيم جونغ أون، أو من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتزول دول عن الخرائط. كوريا الجنوبية، الى جانب كوريا الشمالية أولاً واليابان ثانياً، وربما أكثر من ذلك. رغم هذا كله فإنّ الخبراء يصرخون: «يجب عدم الاستسلام للذعر». لا أحد يريد تجربة «الغضب والنار». توجد دائماً حلول، خصوصاً أنّ الصين وروسيا في قلب دائرة الخطر.

عام 1962، وقعت أزمة الصواريخ في كوبا. وقف العالم مشدوداً على أعصابه. كانت المواجهة الأولى بين الجبّارَين الأميركي والسوفياتي. الخوف من المجهول رفعَ منسوب الخوف من وقوع المواجهة النووية. الأسطول الأميركي حاصر جزيرة كوبا، وكان يمكن في أي ساعة أن يقع الصِدام بين هذا الأسطول وأيّ سفينة سوفياتية محمّلة بالصواريخ لنصبها في كوبا.

انتهت الأزمة وعاد كل طرف الى مواقعه. الصواريخ السوفياتية عادت من حيث أتت. وكوبا ضمنت وجودها واستمرارية النظام الكاستروي – الشيوعي حتى اليوم.

الفرق بين الأمس واليوم، أنّه في واشنطن، كان يوجد رئيس أميركي استثنائي هو جون كيندي ومعه فريق عمل متكامل ومتناسق. وقرار واحد مدروس جيداً. وفي موسكو، كانت توجد قيادة رغم صخب زعيمها نيكيتا خروتشوف، تعرف حدودها وإمكاناتها والأهم ماذا تريد، وكيف تحصل عليه.

حالياً، في واشنطن رئيس استثنائي في إدارته، فهو منفصم عن مجموعة العمل التي تعمل معه، ولا يعرف بالضبط ماذا يريد وإلى أين يمكنه أن يصل.

الرئيس دونالد ترامب، المُفترض أنّه على علاقة ممتازة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يبدو وكأنّه يريد أن «يكسر الجرّة معه» حتى تتوقف الاتهامات الموجهة له بأنّه جاء بدعم منه. الأسوأ من ذلك، أنّ في مواجهته زعيماً مستعداً أن يُصعّد إلى النهاية حتى يحصل على ما يريده من دون السؤال ماذا سيخسر.

الزعيم الكوري جونغ أون، يبدو وكأنّه يقف على قدَم ترامب ويتحدّاه أن يضربه بالحجر الضخم الذي يحمله ويهدّده به. وترامب كما يبدو غير قادر على اللعب حتى النهاية حتى لا يسحق «رجله». الحل في الاستعانة بمن يزاحمان بلاده على الزعامة الدولية أي الصين وروسيا.

خيارات ترامب أمام تصعيد تحدي جونغ أون له محدودة جداً:

* الحرب النووية أو الهجوم العسكري الشامل مستحيلان. لأنه إذا كانت كوريا الشمالية ستزول فإن «توأمها» كوريا الجنوبية ستزول أيضاً ومعها أجزاء من اليابان. الحرب الكورية كلّفت الأميركيين 53 ألف قتيل، فماذا عن اليوم مع توافر جميع أنوع الأسلحة الحديثة؟

* تصعيد العقوبات الاقتصادية مثل تنفيذ حظر نفطي كامل أو جزئي، والطلب (مع قرار دولي) من روسيا والصين ترحيل العمال الكوريين الشماليين من بلاديهما. وهذه العملية ليست سهلة وممكنة روسياً وصينياً. بعد تنفيذ عقوبات اقتصادية عدة في العالم، أصبح ثابتاً أنّ هذه العقوبات مؤثرة بقدر الثلث وتأثيرها يبقى ضعيفاً ومحدوداً فكيف لبلد مثل كوريا الشمالية اعتاد على الحصار الاقتصادي، وحتى على الجوع؟

المشكلة الحقيقية البعيدة عن احتمالات الحرب والحصار الاقتصادي هي أين الصين من كل ذلك؟

أصبح معروفاً أنّ الخبراء متفقون على نقطة واحدة. وهي أنّ الزعيم الكوري الشمالي جونغ أون الذي يصوّر وكأنه «هوائي ومغامر لا يهمه شعبه ومصيره»، هو في الواقع أكثر واقعية ويحسب كثيراً في هذه اللعبة على حافة الهاوية النووية. وفي هذا التوجه يلعب في الأزمة لعبة البلياردو. أي أنه يصوّب على كرة ليصيب الثالثة. المقصود في ذلك، أنّه يصعّد ضد ترامب وواشنطن ولكن في الواقع يقوم بإحراج حليفه الكبير الذي يبدو كأنه «معلّمه» أي الزعيم الصيني تشي جينيينغ. ما يريده جونغ أون هو إحراج الزعيم الصيني، لكي يقوم بفتح حوار بين واشنطن وبيونغ يانغ للحصول على ضمانات أمنية ورفع العقوبات عن بلاده. وقد يكون تحقيق هذا الهدف ممكناً بهدوء. لكن الزعيم الكوري الشمالي، اختار التوقيت الأكثر إثارة للوصول إلى ما يريده بسرعة.

الزعيم الصيني جينيينغ، هو الأكثر إحراجاً في الأزمة الأميركية – الكورية الشمالية، لأنّه على موعد مصيري بالنسبة له، ذلك أنّ الحزب الشيوعي الصيني سيعقد مؤتمره في 18 تشرين الأول (أكتوبر) القادم. ويعمل جينيينغ ومعه كل أجهزة الحزب على تقديم نفسه بأنّه «قائد عالمي حكيم». ولذلك على الزعيم الصيني أن يسرع بالعثور على حل متوازن ومُلزم، يحفظ لحليفه الصغير البقاء والقوّة، ويضمن لمنافسه الأميركي الاطمئنان إلى مستقبل هادئ وآمن بعيداً عن التهديدات النووية، ويضمن للشعب الصيني على الحدود عدم التعرض للقلق، ما يؤكد أيضاً أنّ الزعيم الكوري الشمالي، قد حسبَ بدقة ماذا يريد من «التنّين الصيني». لقد اختار تصعيد الاختيارات النووية والصاروخية مع انعقاد مؤتمر «بريكست» مما حرف المناقشات وتحولت قضية كوريا الشمالية إلى القضية الأولى.

في قلب الأزمة الكورية الشمالية – الأميركية، طرح بقوة، أن واشنطن معها كل الحق في منع إيران من الحصول على السلاح النووي. لأنها ستصبح قادرة على تصعيد أي أزمة، على الغرار الكوري الشمالي للحصول على ما تريده. طبعاً يتناسى العالم، أنّه توجد دولة تملك السلاح النووي هي إسرائيل، وسبقَ لها أن هدّدت باستعماله عام 1973 في أثناء حرب أوكتوبر.

من الواضح أن إسقاط تهديد الأزمة الكورية، لن ينهي الأخطار الكامنة في العالم بسبب السلاح النووي. ذلك أنّ العالم كلّه وحتى يتم نزع السلاح النووي عالمياً سيتابع «الرقص مع السلاح النووي» الذي أثبتت التجربة الكورية، أنّه يكفي دخول «النادي النووي» حتى يتم بسرعة الوصول الى أعلى درجات الكفاءة النووية، تماماً كما حصل ويحصل مع كوريا الشمالية.