الوقت داهم، أو هكذا يبدو بالنسبة الى جميع اللاعبين في هذا الملعب الإنتخابي الغدّار الذي كلّما إقتربت مواعيده إبتعدت الأحلام والكثير من الآمال والتمنيات.
ولنعترف، ليس من باب براءة الذمة لأي طرف أو منخرط في «المجهود الانتخابي» إنما من باب الإنصاف، بأن القانون الإنتخابي الجديد الذي يجرّبه لبنان للمرّة الأولى ليس من السهل إستيعابه حتى من قبل الذين صاغوه وتباهوا بإنجازهم.
من هنا يبدو التردّد سيّد الموقف في هذه المرحلة خصوصاً لجهة تشكيل اللوائح إن لم يكن لجهة التقدّم بالترشيحات، وفي قراءة للواقع الإنتخابي يبدو أن هناك سوء فهم مقيماً بين الأطراف السياسية وهذا القانون. وعندما نستمع الى مرشحين كثر، بينهم أقطاب وازنون، يعلنون أنهم لم «يهضموا» بعد وجبة هذا القانون، كما قال أحدهم في مقابلة تلفزيونية معروفة، فيجب أن نصدّقهم، لأنّ هذه التجربة الجديدة على قدر من التعقيد… ولابدّ من إجراء الدورة الإنتخابية الآتية في السادس من شهر أيار المقبل التي ستكون بمثابة «تدريب عملي» سواء أبالنسبة الى المرشح أم الى الناخب.
ومع ذلك فإنّ الوقت الداهم بات قاب قوسين أو أدنى من إنتهاء مهلة الترشّح لتعقبه محطتان بارزتان: تشكيل اللوائح وسحب الترشحات. يحدث هذا في وقت تبدو المماطلة قاسماً مشتركاً بين الأطراف التي يبحث كل منها عن القرار الذي يعتبره الأجدى: فهل يشكل هذا الطرف لائحته من ذاته وحلفائه ويكتفي أو إنه يتحالف مع طرف آخر في دائرة إنتخابية ومع طرف ثان في دائرة سواها. بالرغم مما يكون بين الطرف الأول وكل من الطرفين الآخرين (وما بينهما أيضاً) ما صنع الحدّاد!
إنها «حزورة»، ولكنها قد تبلغ دائرة الخطر عندما ترتكز الى «الشطارة» والتذاكي! ومع أننا لم نقلّل من أهمية صعوبة استيعاب القانون، إلا أننا نرى أن الشهية المفتوحة على حصد المقاعد النيابية قد تقود أصحابها الى الرقص على حافة هاوية عميقة فينقلب السحر على الساحر.
واللافت في هذه الإنتخابات إنها تفسح في المجال أمام الهيئات و«القوى» في المجتمع المدني لإثبات وجودها، وكذلك الأمر بالنسبة الى المرأة التي وإن لم تُعْطَ «كوتا» محدّدة فبإمكانها أن تحقق بعضاً من مطلبها إن لم يكن كله، مقابل أن يتوحد الصوت الأنثوي في دائرة أو في بضع دوائر إنتخابية. ولكن يبدو أنّ «الرقص على حافة الهاوية» بات أيضاً هواية محفوفة بالخطر يمارسها جماعة المجتمع المدني كما تمارسها الهيئات والجمعيات النسائية. والمعلومات المتداولة تكشف عمق الإنقسام بين أطياف المجتمع المدني وقد استبدت بهم شهوة المقاعد بأنانية ملحوظة يلمسها كلّ من يتابع المشهد عن قرب… وبدلاً من أن تكون هذه الأطراف موحّدة حول ممثليها في لائحة ما نراها تتبارى في الإنضمام الى لوائح متنافسة، ما يفقد طاقتها أي فاعلية… ذلك أن هدف الجميع «يا رب نفسي» ولو على حساب المبادىء التي سرعان ما تتهاوى أمام المصالح الذاتية الضيقة.
بمعنى آخر أن الحسنة البارزة في القانون (أي إفساح المجال أمام الحد الأدنى من الدماء الجديدة وعبر النسبية) هي أيضاً مهدّدة بالسقوط أمام الجشع والأنانية.