IMLebanon

الرقص مع الداهسين!

على رغم ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية في الدول العربية، لم يلجأ الإرهابيون بعد إلى استخدام أسلوب الدهس في مصر مثلاً، ربما لأن تدفق الأسلحة والمتفجرات مازال مستمراً، ولكن أيضاً لأن المتطرفين يستخدمون الإرهاب لإسقاط الأنظمة وهدم الدولة لإقامة دولتهم المزعومة، وربما يعتقدون أن دهس الناس عشوائياً يدخلهم في مواجهة مع المجتمع، لذلك ركّزوا عملياتهم ضد أذرعة الدولة كالجيش والشرطة والمسؤولين، ومَنْ يرون أنهم يحولون مباشرة دون تحقيق أهدافهم.

لم تكن عملية الدهس في مدينة برشلونة الإسبانية الخميس الماضي الأولى، والمؤكد أنها لن تكون الأخيرة، وطالما بقي التعامل مع قضية الإرهاب بالطرق والوسائل ذاتها التي تتعاطى بها الدول الغربية مع القضية فإن الإرهاب سيستمر، وإن تغيرت وتطورت وسائله. دعك هنا من المصطلحات المتداولة كـ «الذئاب المنفردة»، أو «العمليات النوعية»، أو غيرهما مما تلوك ألسن المحللين وتُسطّره أقلام المنظرين، فالخطورة تجاوزت رفاهية التحليل والتنظير ووصلت إلى مرحلة لا بد من التعاطي معها بجدية أكثر وحزم أكبر، فالذئب المنفرد الذي قاد شاحنة في مدينة نيس الفرنسية قبل نحو سنتين ودهس حشداً أثناء احتفالات العيد الوطني، ما أدى إلى مقتل 86 شخصاً وجُرح 300 آخرين، ارتكب جريمة أفضت إلى النتيجة ذاتها التي حققها مخطط نفّذه تنظيم «برشلونة». المسألة أن الدهس صار ضمن أولويات الإرهابيين، وأفراد ينفّذون المهمات ذاتها حتى لو لم يكن لهم علاقة تنظيمية.

لاحظ هنا أن أصول غالبية منفّذي عمليات الدهس في أوروبا تعود إلى دول الشرق الأوسط، على رغم أن لفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسويد وإسبانيا ودول أوروبية أخرى مواطنين انضموا إلى «داعش» أو تنظيمات إرهابية تحمل أسماء أخرى، وشاركوا في القتال في مناطق الصراع ثم عادوا إلى دولهم، لكنهم لم يمارسوا الدهس بعد عودتهم، ربما حتى لا يحرموا زملاءهم من الرجوع إذا ما وضعت الدول الغربية ضوابط لعودتهم.

صحيح أن التنظيمات الإرهابية كـ «داعش» نجحت في تجنيد عناصر ينتمون إلى دول غربية، لكن يبقى مقابل كل عنصر يجنّد من أوروبا، مئات، إن لم يكن آلاف، جرى تجنيدهم في الدول العربية لأسباب بينها الدعم المادي والمعنوي الذي يتلقّاه المتطرفون من دول كقطر، ومناخ الكراهية الذي تفرضه وسائل إعلام كالقنوات التي تبث من الدوحة أو اسطنبول أو لندن، ووجود تربة للتطرُّف وتكفير الآخرين نجحت جماعة «الإخوان» على مدى سنوات في تهيئتها فأفرزت تنظيمات إرهابية من نسيجها كجماعتي «حسم» و«لواء الثورة» اللتين تتنافسان مع «داعش» الموجود في سيناء على القتل والترويع.

انظر إلى الطريقة التي تعاملت بها الدول الغربية مع معارضة الدول العربية الأربع: مصر والسعودية والإمارات والبحرين لدعم قطر الإرهاب لتتأكد أنه لن ينحسر من أوروبا وأن وتيرة عمليات الدهس والطعن سترتفع، فالدول الغربية التي صارت تأشيرة الدخول إليها بالغة الصعوبة، تمنح الإقامات بسهولة لرموز «الإخوان» وبقية المتطرفين، وهي تعاملت مع الأزمة القطرية كأنها مجرد خلاف حدودي، وفضّلت الحفاظ على مصالحها مع الدوحة على اتخاذ موقف حازم لوقف دعم الإرهاب واحتضان رموزه. ترقص الدول الغربية مع المتطرفين الذين استخدمتهم سنوات من دون أن تقرأ تاريخ الحركات الإرهابية، الذي يكشف انقلابها على من يدعمها أو يحتضنها أو يرقص معها!