IMLebanon

رحلة خطيرة الى «عين الحلوة»… إنتفاضة في وجه الإسلاميين أم نكبة ثانية؟

«عين الحلوة سينفجر في وجه الأصوليّين»، عبارة كانت كفيلة بتحريك «حشرية المتاعب». فالدخول الى المخيم ومعاينة الأرض قد يحسمان الجدل. لكنّ الرحلة الى عين الحلوة تتطلّب إجراءات طويلة ومعقدة نظراً إلى وضعه الدقيق، ووحدها عائلة فلسطينية صديقة قد تكون المفتاح. من بيروت الى حاجز الجيش عند مدخل المخيم نحو ساعة من الوقت محفوفة بالتشويق والروايات، ومن صف السيارات الطويل والإجراءات المشددة تعرف أنك وصلت الى مدخل المخيم، حيث يقوم حاجز للجيش بالتفتيش والتدقيق في الهويات، معتذراً عن الإزعاج، «من أين والى أين؟»، سؤال روتيني يشير الى الخطر الذي يتربّص بالمخيم، لتَليه عبارة «تفضّلوا الله معكم»… بعد التأكد من «شرعية» الدخول.

«كيفك أخوي؟ من وين الأخت؟» عبارة تشكّل جواز المرور الى «عاصمة الشتات»، حيث من الأفضل أن تَتنقّل سيراً نظراً لضيق الطرقات، إذ هناك شارع رئيس واحد بالكاد يَسع صفاً من السيارات. كيلومتر مربع ونصف من المساحة تختصر معاناة نحو ١٠٠ ألف لاجئ، منهم ٢٥ ألفاً من مخيم اليرموك السوري، من الفقر والاستسلام للأمر الواقع…

أزقة لا تتسِع لأكثر من شخص، طرقات أوشكَ الإسفلت أن يصلها قبل أن يُغيّر اتجاهه، ففي الأرض حفر مليئة بمياه آثنة ومكبّات نفايات لم تترك أثراً لمحاولات التجميل الخضراء التي شهدتها بعض الأزقة منذ مدة.

امّا في الجو فروائح كريهة تظللها أسلاك متشابكة، تمتد بين حارات تكاد لا تتعدى الطابقين، حاجبةً أشعة الشمس في ظل انقطاع تام للكهرباء، وسط أصوات أطفال من كل حدبٍ وصوب يهرولون حفاةً بثيابهم الرثة وألعابهم البالية، ليختصر شعار الافتقار الى أدنى معايير السلامة نمط حياة سكان المخيم.

أمّا في السوق، فالمحلات منتشرة يميناً ويساراً، يتداخل فيها بائعو اللحمة بالخضار والثياب والعطور، وكلّ ما قد يخطر في بالك. مزيج غريب عجيب لا يختلف عن طبيعة «روّادِه». وفي الزوايا عدة مَقاه يجلس فيها شيوخ وشباب أرخوا لحاهم، لا التزاماً بواجب ديني بل توفيراً لثمن «شَفرة»، لا يتأخرون كثيراً في الإجابة عمّا تطلبه من إيضاحات. وإن كان السؤال عن هوية المستَجوب لا يَهمّ، «فكلّنا في الهَم واحد»، إنه لسان حال الجميع.

بَوح كثير يبدأ بالاقتصادي الاجتماعي ولا ينتهي بالسياسي. فقر وعوز شرّعا أبواب المخدرات والرذيلة، فرموا ببعض شباب المخيم في أحضان الجماعات التكفيرية، تحت ضغط البطالة ومحاولات الهجرة غير الشرعية التي انتهى غالبها غرقاً في البحر، أمّا مستور القلوب السياسي فبادٍ على الوجوه والشفاه.

عبارة واحدة يُردّدها الجميع: «بَدنا نخلَص، لا قدرة لنا على نكبة جديدة، ولن نسمح بنهر بارد أو يرموك آخرَين»، ليرفع أحدهم الصوت قائلاً وسط تأييد المتَجمهرين: «هؤلاء أشخاص مفروضون علينا، نحن نرفض أن نكون كبش محرقة لتصفية حسابات الآخرين مع أطرافٍ لبنانيين على أرض المخيم… كفى متاجرة بالقضية الفلسطينية، ولن نسمح بأخذ المخيم رهينة بأيدي التكفيريين… سننزل الى الشارع لنتظاهر ونَعتصم أمام منازلهم ومَقرّاتهم». أمّا اللافت فكانت المطالبة بدخول الجيش الى المخيم لفرض الأمن والسلام وإعادة النظام والطمأنينة.

«المطلوب الأول»

عين الحلوة الذي يضمّ خليطاً وطنياً وإسلامياً من الفصائل، تطغو عليه هذه الأيام الصبغة «الداعشية»، مع لمعان نجم عماد ياسين، قائد «جند الشام» المبايع «تنظيم الدولة الإسلامية»، متحوّلاً بين ليلةٍ وضحاها الى «المطلوب الأول» بعد اكتشاف مخابرات الجيش عملية إرهابية انتحارية مُركّبة، كان الأخير ينوي تنفيذها مستهدفاً أحد أحياء صيدا والقرى المسيحية المحيطة بها بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا، بناءً لتعليمات تلقّاها من قيادة التنظيم في الرقة، على غرار ما يحصل من عمليات في العراق، سوريا وفرنسا أخيراً، بحسب ما يؤكد مصدر أمني لبناني لـ«الجمهورية»، جازماً بأنّ الجيش لن يقف مكتوفاً في حال حصول أعمال إرهابية، نتيجة القرار الواضح بعدم السماح بإقامة مركز لهم في لبنان، على غرار ما يحصل في دول الجوار.

وإذا كان من «السهل» الحصول على إجابات الشارع، كان لافتاً غياب المسؤولين الفلسطينيين عن السمع، فبين مَن خَطّه مشغول ومن لا يجيب، يصبح الاقتراب من مربّعات الاسلاميين الأمنية صعباً، من «عرب زبيد» حيث أسامة الشهابي، الى «الطيري» حيث بلال بدر، وصولاً الى «الطوارئ» الذي يتقاسمه «جند الشام»، «النصرة»، «داعش» وما تبقى من «فتح الإسلام» و»كتائب عبد الله عزام»، يصبح التجوّل على حدودها أمراً خطيراً في ظل التوتر الذي تعيشه تلك الجماعات، إمّا خوفاً من عمل يُحضّر ضدها، أو استعداداً لعمل كبير تنوي تنفيذه.

إشارة الى أنّ مجموعات غامضة برزت على ساحة المخيم في السنوات الأخيرة، من أبرزها «الشباب المسلم»، ويضمّ تنظيم «جند الشام» الذي شَكّل حالة خطيرة مع استقطابه عدداً من الشباب، ومحاولته التوسّع في المخيم والسيطرة عليه، وتحويله بؤرة للإرهاب والفارّين من العدالة، ما ينذر بمرحلة سوداء قد تحمل معها الخراب والدمار الى المخيم، بحسب أوساط فلسطينية متابعة.

فالتوتر والتهديد اللذان يعيشهما سكان المخيم ارتبطا بشكلٍ وثيق بنجاح تلك المجموعات في اختراق المخيم وتحويله قاعدة انطلاق لعمليات إرهابية تستهدف الداخل اللبناني وتضرب طريق إمداد قوات الطوارئ الدولية من بيروت الى جنوب الليطاني، مستغلةً التمويل والدعم الذي حصلت عليه من بعض الدول لحسابات ومعادلات الصراع في لبنان والمحيط الإقليمي.

ويعترف المصدر الفلسطيني بأنّ مسؤولية ما آلت إليه الأمور تقع على عاتق القوى الفلسطينية التي وإن اتخذت مجموعة من الخطوات الأساسية على طريق الحل، من خلال توحيد البندقية تحت مسمّى «الحرس الوطني الفلسطيني»، ورفعها من درجة التعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، تبقى مقصّرة خصوصاً في ظل سياسة التراضي المعتمدة والتي أفرزت توتراً كبيراً، واضعةً القرار في يد «داعش».

ويؤكد المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته لحساسية موقعه، موقف القيادات الفلسطينية من استقرار المخيم وأمنه وحسن علاقته بالجوار، والتنسيق مع القوى الشرعية اللبنانية لإحباط أيّ محاولة للتوتير، كاشفاً أنّ «الأخ عزام الأحمد» سينقل رسالة واضحة الى المسؤولين في بيروت تتضمّن إصرار السلطة في رام الله على عدم جرّ المخيمات الى أي صراع وعدم السماح لأيّ غريب بالدخول الى عين الحلوة، واستعدادها لممارسة كل الضغوط لتحييد المخيم عن الصدام، لأن لا مصلحة لأحد في ذلك، حيث المطلوب راهناً، «إعادة ضبط المطلوبين وحصرهم» داخل مناطق وجودهم الأساسية، طالما أنّ الظروف الحالية غير مؤاتية لإنهاء تلك الظواهر والقضاء عليها جذرياً».

هكذا تنطبع الصورة في ذهنك، وهذا ما تخرج به من تجوّلك في مخيمٍ تعجّ شوارعه بكاميرات مراقبة لا تعمل، قبل أن تتركز أكثر فأكثر تلك المشهدية كلما غصتَ في أعماق المخيم، حيث تخطف تطورات الأوضاع الأنظار عمّا عداها من ملفات وأحداث مع تداخل الملف الفلسطيني بالملفات الداخلية الإقليمية والدولية، مؤثراً ومتأثراً بها، أمنياً واجتماعياً. لماذا سُمح للمجموعات المتطرفة بدخول المخيم وتعزيز نفوذها؟ ولأيّ أسباب وأهداف دُفع الوضع الى هذه الدرجة من التعقيد؟ وماذا بعد؟

الأكيد أنّ الحل في أيدي اللاجئين، فقد آن الأوان لرفع الصوت والانتفاضة قبل أن تقع النكبة الثانية، ويسقط المعبد فوق رؤوس الجميع.