من أخطر ما سمعت وقرأت كلام الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس الأوّل الذي هو الزعيم الأكبر لأكثر من مليارين ونصف مليار مسيحي (كاثوليكي وغير كاثوليكي) في العالم.
لفتني جداً تحذيره من الخطر الوجودي المصيري الذي يواجهه المسيحيون في الشرق الأوسط، علماً أنّ أكثر دولتين يواجه المسيحيون فيها الوضع الدقيق هما لبنان ومصر.
في مصر هناك دائماً دولة وسلطة حقيقية برأس واحد وعقدت إتفاقاً مع إسرائيل… صحيح أنّ عدد مسيحيّي مصر لا يقارن بعدد مسيحيّي لبنان، فهناك عشرة ملايين مسيحي لا يشكلون نحو 10% من السكان، اما في لبنان فيوجد مليونا مسيحي أي نحو 45% من الشعب.
الحرب الأهلية أسفرت عن أمور عديدة من أبرزها هجرة مسيحية واسعة الى الخارج، إسرائيل ليست بريئة من هذا كله، فلبنان يشكل الخطر المصيري عليها بسبب تعايش أطيافه كلها والـ18 طائفة فيه، عكس إسرائيل الدولة العرقية اليهودية الصهيونية التي كان ولا يزال مخططها إسقاط لبنان النقيض الوجودي لها.
ولا يفوتنا أن نشير الى الدور الاميركي المشبوه الذي يشكل عاملاً ضاغطاً لمصلحة إسرائيل في هذا السياق.. وعلى سبيل المثال لا الحصر “النصيحة” الملغومة التي قدّمها وزير الخارجية الاميركي الأسبق هنري كيسنجر الى رئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية ومفادها أنّ البوارج الاميركية موجودة وقريبة في عرض البحر المتوسط قبالة الشاطئ اللبناني ويمكنها نقل المسيحيين اللبنانيين الى بلدان الغرب الأميركي والأوروبي وإلى اوستراليا، على دفعات، و”بلا وجع الراس” في لبنان.
ويُشهد للرئيس فرنجية رد فعله الغاضب رافضاً هذه النصيحة الملغومة جملة وتفصيلاً، ضارباً الطاولة التي عُقد حولها الاجتماع مع كيسنجر بقبضة يده، ثم انتصب واقفاً و… مشى، ما يعني بروتوكولياً نهاية الاجتماع والطلب الى الضيف أن يغادر غير مأسوف عليه.
وحتى اليوم فإنّ كيسنجر المعتبر أحد “أنبياء” الصهاينة المعاصرين لا يزال يواصل العمل بقناعاته كافة في خدمة الدولة العبرية وتحقيق أهدافها كافة ما يدعو الى الحذر الشديد.
من هنا نود التنويه بالكلام الذي صدر أمس عن قداسة البابا فرنسيس الذي دان بشدّة الحروب المحتدمة في الشرق الأوسط و،التي أكثر من يتضرّر منها هم الفقراء… ثم انتقل قداسته ليحذّر من دفع المسيحيين الى إخلائهم الشرق الأوسط…
وهذا التحذير هو من أخطر ما يفترض التوقف عنده والعمل على تدارك الوقوع في شرق أوسط خالٍ من المسيحيين وهم متجذرون فيه منذ فجر المسيحية…
وعلى سبيل المثال نقرأ في كتاب “الأغاني” (أشهر الكتب في المكتبة العربية بمجلداته الـ23) أنه كان يوجد بين البصرة في العراق والمنامة في البحرين 75 ديراً للرهبان!.. فماذا بقي منها؟!
إنّ وجود المسيحيين في المنطقة العربية خصوصاً هو غنى للعروبة وشهادة للإسلام… ونحن في لبنان أكثر مَن يدرك محاذير المنطقة من دون المسيحيين.
عوني الكعكي