بعد فترة من الإستقرار الأمني عاشها لبنان، إثر إنتهاء معارك طرابلس وتفكيك الشبكات الإرهابية، شهد هذا الأسبوع خضّات أمنيّة عدّة تُوِجِّت باستشهاد 7 جنود من الجيش في كمين رأس بعلبك وتفجير عرسال، فيما برز دخول النساء عنصراً لا يُستهان به في تنفيذ الأعمال الإرهابية.
ضجَّت الساحة اللبنانية بخبر إعتقال زوجة زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، سجى الدليمي، لتبدأ بعدها التأويلات والتكهنات، لكنّ هذا الحدث لم يأتِ منفصلاً، بل جاء ضِمن سلسلة تطوّرات طبعت المعارك المتلاحقة وصولاً الى تقوية بنية الجيش.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية»، أنّ «مخابرات الجيش هي جزء أساس من تركيبة المؤسسة العسكرية، والدعم الذي وصل إلى المؤسسة توزَّع على مختلف الوحدات، فحدَّثت المخابرات معدّاتها وطوّرتها، ما سمَح لها بمواكبة المرحلة وتفكيك الشبكات الإرهابية، مستفيدة من التنسيق مع أجهزة أجنبية ضمن إطار التعاون الإستخباري بين كلّ دول العالم».
ويكشف المصدر أنّ «العمل على تطوير مخابرات الجيش، هو مشروع بدأ تنفيذه منذ فترة، وقد حقَّق إنجازات عدّة، لكنّ الجيش يعمل بصمتٍ بلا ضجيج إعلامي، وإعتقال الدليمي ليس سوى جزء بسيط من هذه الإنجازات، وقد تعاملت قيادة الجيش معه بطريقة واضحة، إذ قالت من اليوم الاول: زوجة البغدادي في قبضتنا، ونقطة على السطر».
لم يكن هذا التوقيف بالصدفة، بل أتى بعد رصد ومراقبة، والرسالة من وراء توقيف الدليمي واضحة جداً، وهي أنّ «الجيش وصل الى داخل بيت الإرهابيين، وعائلاتهم في قبضتنا، ما يُشكّل ضغطاً إضافياً عليهم، وتضييقاً للخناق، خصوصاً أن لا خطوط حمرَ مع كلّ مَن يتعاطى معهم».
ومن هذا الباب، يقارب الجيش قضية إعتقال النساء، إذ تسأل المصادر: «ما الفرق بين إمرأة تحمل حزاماً ناسفاً او تقود سيارة مفخّخة مثل الموقوفة جومانا حميد، وبَين رجل يقوم بهذه الأفعال؟ فالمرأة بذلك تفقد صفتها الأنثوية وتصبح ملاحَقَة مثل سواها».
أخطر من الرجال
وفي هذا السياق، تكشف المصادر أنّ «هناك نساء خطرات في قبضة مخابرات الجيش، ودورهنّ أخطر بكثير من دور الرجال، إذ إنهنّ يستعملن أنوثتهنّ، لأنهنّ أقلّ شبهة من الرجال، وهنّ يعملن في مجال تهريب الأموال وتسهيل إدخال مقاتلين وإجراء اتصالات شفوية والتنقّل بين المناطق لإبقاء الإتصال بين الإرهابيّين، خصوصاً أنّ الخطوط الهاتفية مراقبة، لأنَّ الإرهابيّين يأخذون اقصى درجات الحيطة والحذر».
وتلفت المصادر الى أنّ «الجيش يلاحق حالياً عدداً من النساء من زوجات قادة الإرهابيين، إضافة الى نساء يعملن تحت مسميات عدة ومدربات على التعامل مع ظروف مماثلة».
رأس بعلبك
لا يمكن فصل ما حدث في جرود رأس بعلبك، عن إرتدادات توقيف زوجة البغدادي، لذلك عزَّز الجيش من إنتشاره هناك، خصوصاً أنّ جرد رأس بعلبك متّصل مع جرود عرسال، وتُسيطر «جبهة النصرة» على قسم كبير منه. لكنّ الحادثة تطرح بحدّ ذاتها، احتمال فتح جبهة رأس بعلبك لتخفيف الضغط عن عرسال.
في المقابل، تدفع عوامل عدة الإرهابيّين إلى التراجع، خصوصاً أن لا بيئة حاضنة لهم في رأس بعلبك، كما أنّ المنطقة لا تأوي نازحين سوريين بالأعداد الموجودة في عرسال، إضافة الى أنّ الارهابيين لا يستطيعون فتح جبهة جديدة وكلّ ما يقومون به هو اعمال ثأرية، لكنّ التخوّف يبقى من أن يمارسوا حرب عصابات ويدخلوا الجيش في حرب إستنزاف طويلة الامد.
الكشف عن توقيف زوجة البغدادي لم يكن إلّا البداية، إذ تؤكد المصادر أنّ الصيد الثمين موجود، وقد يكون غير الدليمي، لأنّ ورقة البغدادي في يد الحكومة لتفاوض عليها في ملف المخطوفين العسكريين، وإذا لم تعطِ مفعولها، سيتمّ استعمال أوراق أخرى أقوى، لكنّ كلّ شيء في الوقت المناسب، لأنّ المعركة لن تتوقّف عند هذا الحدّ».
المداهمات
وعلى خط موازٍ، إستمرت المداهمات في البقاع، وعلمت «الجمهورية» من مصدر عسكري، أنّ استخبارات الجيش أوقفت السوري عامر صالح عامر في مشاريع القاع، المنتمي الى جماعات إرهابية وهو مطلوب بمذكرات تتعلق بتهريب السلاح عبر الحدود، وأوضح المصدر أنّه «لم يثبت بعد من التحقيقات بأنّ عامر قاتلَ ضدّ الجيش في عرسال».
الى ذلك، دهمت دورية من مخابرات الجيش شقة يقطنها سوريون في منطقة «نيو رياق»، وأوقفت الأشقاء: (أ.م)، (ز.م.)، و(م.م.) للإشتباه بعلاقتهم بجماعات إرهابية.
وفي سياق متصل، أعلنت قيادة الجيش أنّه في إطار ملاحقة المشتبه فيهم بالإعتداء على الجيش والعلاقة مع التنظيمات الإرهابية، دهَمت قوة من الجيش يومَ أمس (أمس الأول) عدداً من الأماكن في عرسال، حيث أوقفت 11 شخصاً.
الطائرة المشبوهة
وفي تطوّر يدلّ بما لا يقبل الشكّ على أنّ الجيش هو أفضل من يتصدّى لإسرائيل والإرهاب، أعلنت قيادة الجيش أنّه قرابة العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم، (أمس) حلّقت طائرة إستطلاع معادية فوق منطقة رياق، وتصدّت لها المضادّات الأرضية التابعة لقوى الجيش المنتشرة في المنطقة.
وأوضح مصدر عسكري أنّ «أهداف طيارة الإستطلاع الإسرائيلية التي تصدّى
لها الجيش في أجواء منطقة رياق أمس، غير معروفة»، نافياً ما أورده بعض وسائل الإعلام عن إعطائها إحداثيات الى الجهات المقاتلة في سوريا بهدف اختراق أمن لبنان،
لافتاً الى انّ «هذه الأهداف لا يمكن معرفتها طالما أنّ الطائرة لم تسقط ولم تُرصد إحداثياتها».