IMLebanon

في مواجهة أخطار مصيرية غير مسبوقة

 

 

لم نعد بحاجة إلى نماذج محددة عن نوعية الإنحدارات الحادة التي تنهار إليها الأوضاع العامة في البلاد، فما نشهده ونعيشه ونعاني من تطوراته الدراماتيكية، يشكل ملامسة مؤلمة لأوضاع مأساوية تقودنا إليها مسالك الإنهيارات الحاصلة في كل الصعد والميادين، ولعل ما عاشه اللبنانيون من أحداث خطيرة طوال عدة ليال سلفت وتمثلت في هجمات متأججة بالزخم والحدة ما بين شارعين وجمهورين بكل التناقضات المخيفة التي برزت في تلك الليالي القاتمة وما أسفرت عنه من اقتحامات وتحديات وهتافات طائفية ومذهبية، لم يكن في حساباتها وتطوراتها أن تدخل إلى أية مخيلة وأية توقعات.

 

خطيرة… تلك الليالي السوداء، وأخطر ما فيها عدائيتها الملفتة والمعتمة في جنح الليل وخفوت تحركات الثوار – المنتفضين، لنعود جميعا بالذاكرة والتعايش مع أحداث سلفت بين الناس أنفسهم، وبعضهم لم يشاهدها ولم يعانيها لأنها مرت وانقضت في زمن غير زمانهم، وفي أيام حرب أهلية لا ردها الله تحت أي ظرف وأية أسباب، كانوا خلالها أطفالا يُجانبهم الوعي والإدراك.

 

إن أبرز ما يدل على حجم تلك الأخطار وأثرها المرعب، تلك النداءات التي أطلقها أئمة مسجد الخندق الغميق داعين إلى وقف الإشتباكات وعودة المقتحمين إلى الأماكن التي انطلقوا منها وأوغلوا في انطلاقتهم المقتحمة في أعمال التعدي والحرق والتحطيم وايقاع اقصى قدر ممكن من الأذى والتخريب في مواقع ثوار يحملون جملة من الرايات الثورية والتغييرية وكثيرا من صيحات الإستنجاد بأية وسيلة سلمية تحجب عنهم الجوع والمرض والحرمان والبطالة، وبينهم طلاب جامعيون ومتخرجون من جميع الاختصاصات المهنية الحديثة، سدّت في وجوههم كل آفاق الحياة الطبيعية الحرة والكريمة، وحرمهم على كل مدى متوقع ومنظور من امكانيات يسعى إليها كل شاب في أعمارهم، وفي طليعتها إمكانيات الزواج وانجاب الأولاد والعيش كبشر يحملون آمالا ورؤى مستقبلية، جعلت منها أوضاع هذه الأيام السوداء أحلاما غير قابلة للتحقيق.

 

خطيرة… أوضاعنا الحالية، تدرجت فيها أحوال البلاد من انهيارات سياسية إلى اجتماعية إلى معيشية، وصولا إلى حالات الضمور الحياتي القصوى والإنزلاقات المخيفة، ومن قال إن أوضاعنا الأمنية والحال ما ذُكر ستبقى محفوظة ومصانة إلى ما شاء الله؟ حيث أثبتت تجارب الماضي والحاضر أنه يكفي أن يظهر أي موتور من أية جهة كانت على شاشة التلفزيون أو في إحدى وسائل التواصل الإجتماعي، ويطلق على الملأ، جملة أو موقفا أو تعبيرا غبيا يدل على سخافته أو عمالته أو ضلوعه في موجة من موجات السعي إلى خراب البلد، لتقوم القيامة ولتتحرك الغرائز وتبين أن صحوة هذه الأيام الثورية مهما بلغت من الضخامة والشمول، مهدّدة بصغائر الغرائز، وجملةٍ من الألغام المنصوبة من قبل مغرضين محدودين في الداخل أو في الخارج لتكون البلاد كلها على شفى حفرة في نار تطاول كل إنجازات الأسابيع الثورية التي انقضت بشتى صنوف الإهتزاز والتهديد والتراجع، وواقع الأمر حتى الآن أننا ما زلنا نعيش نوعا من التناقض في التوجهات السياسية والإجتماعية والوطنية بين راغبين في طي صفحات الماضي السياسي كله واستبداله بحاجز جديد يلغي سيئات سلبية حفل بها تاريخ البلاد القريب والبعيد وتركها جسدا بلا روح بما يمكن ابناءنا أبطال الصحوة المستجدة والمعّول عليهم لقيام لبنان الجديد على أسس تدفع به إلى مواقع متيحة للتنفس والعيش الطبيعي والطموح المشروع.

 

هي مناسبة لنجدد فيها إعجابنا بهذه الروح التي ما زالت تعبق بها تطورات الأحداث ونجد دائما أن زمر الثائرين وجموعهم، ما زالت في الطليعة وأنها باتت تشكل عنصرا مستجدا أساسي الوجود والوقع والأثر، ومهما بلغت سياسات القمع والتصدي لافتعال جملة من القنابل الموقوتة، واطلاقها أفخاخا مضادة في وجه الثورة والثائرين، فإنه سيكون من الصعب على أية جهات مخاصمة ومعادية لهذا المستجد الأساسي والجذري والخطير، ان يتمكن من إلغائها والتهرب من آثارها ونتائجها على مجمل الوجود اللبناني المستجد، وعلى روح الثورة التغييرية التي أطلقها الثوار الشبان في مجتمع لبناني أصابه الجمود والتحجر، فاذا بمستجدات تشرين وانتفاضاتها التي باشرت الشهر الثالث من عمرها الخلاق تقلب الأوضاع رأسا على عقب، وليس سهلا قلب أوضاع راسخة في سوئها كالتي تسود لبنان منذ سنوات طوال أن تحصل تلك المفاجأة التشرينية لتثبت أن الشعوب مهما خدرتها الظروف، فهي قابلة للإستيقاظ واستعادة الروح إلى جسدها وحياتها وتطلعاتها، على نحو ما هو حاصل في لبنان في هذه الايام الحافلة من تاريخنا الحديث.

 

إن قطوعات هذه الايام متعددة الوجوه وخطيرة الوقع والأثر، وأوساطنا السياسية ما زالت غافلة عن أي شعور بالتحسب الجاد لما ينتظرنا من مخاطر أدهى وأشد، خاصة ما هو ملح منها على الصعيد المالي والإقتصادي والمعيشي الذي بات يترك أثرا حادا ومؤثرا في حياة جميع اللبنانيين الذين انقلبوا جميعا إلى طبقات أميل إلى الفقر والحاجة والمعاناة الشديدة.