شكلت نتائج الأنتخابات البلدية في الضنية صدمة لتيار المستقبل، بعدما وجّه إليه خصومه أكثر من ضربة أثبتت أن تراجع شعبيته في هذه المنطقة التي اعتبرها دائماً قلعة حصينة له ليس أمراً عابراً، وإنما حلقة ضمن مسلسل تراجعه شعبياً وسياسياً في المنطقة منذ ستّ سنوات، بما ستكون له تداعيات في الاستحقاقات المقبلة
على جاري عادتها، أخذت الانتخابات البلدية والاختيارية في الضنية طابعاً عائلياً كما هو شأن الانتخابات المحلية في أي منطقة طرفية ذات طابع ريفي.
لكن ذلك لم يحل دون أن تحضر السياسة، بقوة هذه المرة، أداءً وخطاباً وماكينات انتخابية، خصوصاً في البلدات الكبيرة التي يشكل الاستحقاق فيها فرصة سانحة لتحديد الأحجام السياسية، ولجس النبض الشعبي قبل الانتخابات النيابية المرتقبة العام المقبل. علماً أن نتائج الأمس لا تبشر بخير كثير بالنسبة الى تيار المستقبل.
الضربة الأبرز تلقاها التيار في بلدة سير، المركز الإداري للمنطقة ومسقط رأس النائب أحمد فتفت الذي أراد أن يستعيد في استحقاق أمس ماء وجهه بعدما خسرت لائحته في 2010 أمام لائحة منافسة شكلها رئيس البلدية أحمد علم.
إلا أن الأخير كرّر فوزه أمس بنجاح لائحته (15 عضواً) بكاملها، ليثبت أن سقوط فتفت قبل ستة أعوام لم يكن فلتة شوط، وان هذا التراجع ستكون له تداعيات على نائب سير وتياره معاً، خصوصاً بعدما أخفق فتفت في استرداد هيبته المفقودة، وبالتالي هيبة تيار المستقبل التي تآكلت في السنوات الأخيرة. وكان كل طرف نزل بثقله، فعمد فتفت إلى استمالة عائلات لم تكن إلى جانبه، مثل عائلة درباس التي دعم أحد أعضائها عارف درباس لرئاسة البلدية، وكذلك آل هوشر وسواهم، فيما استمال علم جزءاً من عائلة فتفت، إضافة إلى تعويله على اقتراع المقيمين خارج البلدة، وكذلك اقتراع المسيحيين.
وفي بخعون، وجّه النائب السابق جهاد الصمد الذي فازت لائحته بكاملها (18 عضواً) في مسقط رأسه ضربة موجعة للتيار الأزرق، مثبتاً أنه رقم صعب يستعصي على المستقبل إلغاؤه أو تحجيمه، برغم الضغوط الهائلة التي بذلها التيار وحلفاؤه.
وكانت البلدة شهدت تنافساً بين لائحة مدعومة من النائب قاسم عبد العزيز وتيار المستقبل وأخرى مدعومة من الصمد وتحالف العائلات. وسُجّل استقدام أعداد كبيرة من المغتربين من دول الخليج، ما رفع نسبة الاقتراع عند الواحدة ظهراً الى أكثر من 35 في المئة، وهي نسبة لافتة لم تشهدها البلدة الأكبر في الضنية سابقاً، وسط حديث واسع عن رشى ودفع أموال قام بها مناصرون للائحة المستقبل.
وسبّبت هذه الاندفاعة على صناديق الاقتراع ازدحاماً كبيراً، ووقوع إشكالين في قلمي اقتراع، ما أدى إلى توقف عملية الاقتراع فيهما لبعض الوقت.
فشل فتفت في استعادة ماء الوجه وسدد الصمد لكمة قوية للتيار الأزرق
واستعاد النائب السابق أسعد هرموش حضوره السياسي بعدما فازت لائحته في بلدة السفيرة (15 عضواً) بكاملها، ولو أن هذا الفوز جاء بتحالفه مع تيار المستقبل وعائلات البلدة، ما سيجعل هرموش يكسب دفعاً معنوياً هاماً قبل الانتخابات النيابية المتوقعة العام المقبل، مقابل التراجع الواضح لنائبي المنطقة فتفت وقاسم عبد العزيز اللذين باتا في موقع لا يحسد عليه أمام ناخبيهما وأهالي المنطقة، وأمام القيادة الزرقاء.
وثبّت الرئيس نجيب ميقاتي حضوره في المنطقة بفوز لائحة رئيس بلدية دير نبوح (9 أعضاء) بكاملها، ورئيس اتحاد بلديات الضنية محمد سعدية. والأمر نفسه انسحب على الوزير السابق فيصل كرامي الذي حافظ على نفوذ عائلته السياسي في المنطقة من خلال فوز بلديات مقربة منه في عاصون وكفربنين.
وشهدت بلدة حقل العزيمة منافسة محتدمة بين لائحة رئيس البلدية الحالي بهاء بيطار المدعومة من تحالف عائلات البلدة وتيار المردة وتيار المستقبل، في مواجهة لائحة أخرى برئاسة سعد غاضية مدعومة من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وعائلات أخرى في البلدة، ما يعكس صراعاً عائلياً ليس خافياً في البلدة التي تمتاز أيضاً بالتنوّع الطائفي بين سكانها المسيحيين (نحو 75 في المئة) والمسلمين (25 في المئة).
وفي بلدة حقل العزيمة كانت الانتخابات البلدية فرصة لإنهاء سيطرة القوات اللبنانية على المجلس البلدي السابق، بعد عدم رضى ساد أهالي البلدة من تأثير مكتب القوات في البلدة على قرار البلدية، حيث شكلت لائحة من تحالف العائلات مقابل لائحة غير مكتملة، ما دفع مصدراً مسؤولاً في مكتب القوات في البلدة إلى التوضيح أن قيادة حزبه «قد اتخذت قراراً بعدم ترشيح حزبيين للانتخابات في البلدة، ودعمها أي توافق تتوصل إليه العائلات».
وأثبتت الانتخابات أن تيار المستقبل بات يعاني من عطب بنيوي واسع في جسمه التنظيمي والسياسي، وأن معالجة هذه الأخطاء تحتاج إلى معالجة جذرية لا يبدو أن التيار سيقدم عليها ولو متأخراً ست سنوات، عندما رفض بعناد وعجرفة حينها الاعتراف بتراجعه، وبأنه لم يستطع أن يلغي خصومه السياسيين الذين ستشكل نتائج هذه الانتخابات فرصة لتعزيز حضورهم وحشر تيار المستقبل أكثر في الزاوية.
في موازاة ذلك، كانت ثلاث بلدات تنعم بالتوافق الذي جعلها تفوز بالتزكية، هي الحازمية، مراح السراج وبيت الفقس. والأخيرة احتفلت بالتوافق على طريقتها، عندما أقام أهلها وليمة «هريسة» (قمح مطبوخ باللحم) في شوارع البلدة، شارك فيها أبناء البلدة وسط أجواء ارتياح بالغ.