في كل مرة كان يُسأل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان عن موعد زيارة رئيس الحكومة حسان دياب كانت إجابته “حين ينال الثقة فأنا مستعد لاستقباله كرئيس حكومة قانوني”. نالت الحكومة الثقة، فاتصل مفتي الجمهورية صباح أمس مهنئاً دياب على نيل حكومته الثقة. وما هي الا دقائق حتى عاود مكتب دياب الاتصال مستأذناً دار الفتوى لزيارة يقوم بها دياب إلى المفتي دريان فكان الجواب “أهلاً وسهلاً… في انتظاره”. قبل موعد الزيارة بنصف ساعة تم إبلاغ الإعلام خشية أي تحرك يحول دون وصول دياب إلى دار الفتوى.
وصل دياب، صافح المفتي وبادر إلى تقبيله. عبارات مجاملة سريعة وجلسة لم تشهد حديثاً مميزاً سوى استعراض الأوضاع بشكل عام، ليخرج بعدها رئيس الحكومة تالياً بياناً مكتوباً يراهن فيه “على حكمة الصديق والأخ العزيز (…) لتجاوز المرحلة الصعبة”.
ثلاثون دقيقة من الوقت أمنت لرئيس الحكومة حسان دياب بطاقة عبور آمن إلى رئاسة الحكومة. منحته ثقة داخل طائفته وغطاء طال انتظاره ولو جاء على شكل جلسة شكلية خرج منها مفتي الجمهورية مسلّماً بواقعة أن “الحكومة نالت الثقة ودولة الرئيس حسان دياب هو رئيس حكومة كل لبنان”.
لا شيء خارج المألوف تتحدث عنه “دار الفتوى” في ما يتعلق بالزيارة، والمفتي تعاطى معه كما تعاطى مع سائر رؤساء الحكومات السابقين لأن الدار ورئاسة الحكومة على تواصل مستمر. فالزيارة ارتدت “طابعاً بروتوكولياً” لا أكثر ولا أقل، وأجواء دياب كانت “إيجابية”.
وما قل ودل عن الزيارة يشي بشيء من البرودة لا يزال طاغياً على علاقة المفتي برئيس الحكومة. ربما يحتاج الأمر إلى جلسات أو ربما إلى أفعال يقوم بها دياب تجعله أقرب إلى دار الفتوى. لكن في كلتا الحالين فإن اعتبارات عدة دفعت دار الطائفة السنية إلى استقبال رئيس حكومة كل لبنان، أولها التسليم بدستورية حكومته وشرعية الثقة التي نالها، وثانيها تأييد وجهة النظر التي تنصح دار الفتوى بـ”استقبله ودعك منه”. بمعنى ان التعاطي معه من جانب دار الفتوى سيكون أيضاً على القطعة ومنح حكومته مهلة في المستقطع من الوقت حيث الملفات الاقتصادية داهمة وحيث التحولات الكبرى في المنطقة بانتظار وضوح العلاقة بين الرئيس السابق سعد الحريري والمملكة العربية السعودية.
وبناء على ما تقدم، وبدءاً من اليوم يستطيع رئيس الحكومة ان يدخل في استراحة محارب من ناحية شرعية حكومته دستورياً، مصوباً اهتمامه نحو جبهة واحدة هي جبهة مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية المستفحلة.
عملياً، نالت حكومة حسان دياب الثقة البرلمانية ومنحتها القوى السياسية، كل القوى السياسية فرصة أو فترة سماح. لا خيار آخر يمكن التعويل عليه وسط الأزمة الراهنة، ولا من هو مستعد لتحمل وزر القرارات التي ستقدم كحلول ولو أولية. وتحت هذا العنوان سلّم الجميع واختار أن يتعامل مع حكومة دياب على القطعة أي على كل ملف بملفه… كثيرة الخيارات التي ينكب على دراستها بالتعاون مع وزيري المال والاقتصاد ومؤسسات مالية وسيختار من بينها الأقل ضرراً على البلد وعلى العلاقة مع الجهات المانحة وصندوق النقد.
طلب المساعدة
يتجه دياب إلى إعداد خطة إقتصادية إصلاحية ستعرض على مجلس الوزراء لتبنيها والطلب باسم “لبنان رسمياً من صندوق النقد الدولي المساعدة في إعادة هيكلة الدين العام وحل الأزمة المالية”. الطلب هنا استشاري تقني وليس طلب مساعدات مالية وفق قول مصدر مطلع على سير عمل اللجان في هذا الصدد، وقال إن “الهدف من طلب المساعدة تقني بحت أي أن صندوق النقد الدولي يعمل على تأمين دراسة على الاصلاحات الهيكلية والمالية والنقدية الواجبة للبنان كي ينفذ خطته الاقتصادية التي يتبناها”. وتابع: “ان أعضاء صندوق النقد يقومون بزيارات مستمرة للبنان سنوياً لدراسة الأوضاع وتقديم اقتراحات ولكن منذ نشوء الأزمة لم تزر اللجنة لبنان ولذا ثمة اتجاه لطلب المساعدة في تقييم الوضع وتقديم مشورة تقنية”.
وعن امكانية أن يُستتبع طلب المساعدة بشروط معينة تفرض على لبنان، كمراقبة الإنفاق وضبط الفساد وتقديم إصلاحات معينة، قالت المصادر إن “لبنان لن يطلب أموالاً كي يلزم بإجراءات معينة بل جل ما سيطلبه استشارة تقنية، خصوصاً أننا أمام وضع حرج مالياً وحالة مستعجلة لتقييم الوضع، والوقوف على رأي صندوق النقد ضروري كي نتعرف على الخطوات الضرورية الواجب المباشرة بتنفيذها”.
ولأن الأزمة أكبر من قدرة لبنان على حلها كان التوجه نحو الخارج لتكون الخطوات ملموسة وذات جدوى، خصوصاً أن رئيس الحكومة كان واضحاً وصريحاً حين قال إن الخارج أدار وجهه عن لبنان ولا حل إلا بالاتكال على الذات. لكن الامتحان صعب حيث تقول تقديرات خبير اقتصادي معني بالاجتماعات الحاصلة إن الوضع المالي بلغ درجة عالية من التدهور، متوقعاً أن يبلغ التضخم في الأسعار عشرين بالمئة نتيجة تدهور الليرة، في حين سيبلغ الانكماش الإقتصادي نحو تسعة بالمئة ما سيؤدي إلى إقفال المزيد من المؤسسات وتزايد أعداد العاطلين من العمل، وتراجع ايرادات الدولة ما يجعل الحاجة ماسة إلى خطوات عملية لتأمين الحماية الاجتماعية للفقراء والقيام باستثمارات وهنا دور “سيدر” الذي يحتاج الى اصلاحات لا بد من عملها وبسرعة