بعيداً من مآل المساعي الهادفة إلى تمديد ولاية مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، فإن البُعد السياسي لما تشهدُه دار الفتوى هذه الأيام، يُشير إلى التأثير الكبير لغياب المرجعيات السياسية القوية، على المؤسسات التابعة لها تقليدياً. وذلك يعود لعدم قدرتها على مواجهة تحدّيات كالتي تواجهها حالياً.
المفتي أبلغ كثيرين أمس، أنه لا يريد التمديد لنفسه، لكنه يريد انعقاد جلسة المجلس الشرعي. وهو كان مهتماً بسبل إقناع نائبه الوزير السابق عمر مسقاوي بالحضور، حتى يترك له المقعد كي يدير الجلسة. لكنّ الأخير ظلّ حتى مساء أمس معارضاً الحضور، لأنه يرفض فكرة التعديلات المقترحة على المواد المُنظّمة لعمل دار الإفتاء، والتي تتجاوز فكرة التمديد لتطاول صلاحيات من ينوب عن المفتي في حال غيابه.
(هيثم الموسوي)
لكن، وإلى جانب البحث المُتّصل بالجلسة، كان الجميع يراقب المحصّلة السياسية لما جرى ويجري، إذ تبدو السعودية، وكأنها قررت إقفال «دور أيتامها»، وأنها ماضية في شطب كل السياسيين التقلديين السُّنّة الذين تبنّتهم سابقاً. وهي لم تعد ترى أن تيار المستقبل يعني لها شيئاً، وهي لا تريد بعد اليوم أن تُحاربه بسيف الرئيس فؤاد السنيورة؛ بعدما بات الأخير «ورقة محروقة» استخدمته في إقصاء الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية وبعدها في الانتخابات النيابية، قبل أن يتبيّن أنه غير نافعٍ.
لم تعد للمملكة أعمال بلا بركة، فكل شيء بات محسوباً بعناية. هي التي أعطت لمصر موافقتها على التمديد للمفتي، حتى تأخذ مصر ما تُريد من تعديل المرسوم 18، ويحصل السعوديون على «حصّةٍ كاملة» في دار الفتوى من دون أن يتقاسموها مع أحد. ومع ذلك فإن جلسة «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» المُقرّرة اليوم تبقى على المحك. علماً أن المفتي شعر خلال اليومين الماضيين بأن هناك معارضة جدّية لفكرة التمديد، سواء من غالبية رجال الدين أو من سياسيين.
عملياً، كسرت السعودية «الأُحاديّة السنيّة» التي عملت على تثبيتها لعقود، وقرّرت أن تتعامل مع جميع الأطراف؛ فسفيرها في بيروت مثلاً يستقبل النائب حسن مراد أكثر ممّا يلتقي السنيورة. يزور فيصل كرامي ولا يزور الحريري حينما أتى إلى بيروت. في تأكيد على أننا أمام صفحة جديدة من التعامل السعودي مع لبنان، والذي سيكون محوره الغالب، مفتي الجمهورية، حاملاً الوكالة غير الحصريّة.
ومع ذلك، سيكون دريان المفتي القوي في السياسة والضعيف في «عائشة بكار». فحتى ولو حصل التمديد في جلسة اليوم، أو حتى قبل أشهر من نهاية ولايته بعد 18 شهراً. هو يدرك صعوبة مواجهة رجال الدين والقضاة الشرعيين. وهو لمس التّوتر الناجم عن فكرة تعديل المرسوم 18 لـ«قصقصة أجنحة» أمين دار الفتوى وتسليم صلاحياته لمن يُعيّنه رئيس الحكومة.
ومع أن التعديل الخاص بوكيل المفتي بدا أنه يستهدف أمين دار الفتوى الشيخ أمين الكردي، واتهامه بأمور لا علاقة له بها، فإن الأخير ركّز في خطبة الجمعة أمس على دعوة دريان ورجال الدين إلى رفض التعديلات، وتأكيد أنه «لا داعشي ولا إخوانجي». وبعد خطبة الكردي، كرّت سبحة العلماء الذين انتقدوا التعديلات المطروحة.
لكنّ الهم الأوّل لدى المتحمّسين لفكرة التمديد، تركّز على سُبل تأمين النصاب القانوني: ثلاثة أرباع أعضاء المجلس المُكوّن من 32 عضواً، إضافةً إلى رئيسه مفتي الجمهورية والأعضاء الحُكميّين، وهم رؤساء الحكومات المتعاقبون. وقد تمّ استدعاء جميع الأعضاء المسافرين وحشد الأعضاء في المناطق، وقد جمعوا التواقيع على عريضة إدخال التعديلات على المادة 6، ويتردّد أن التعديلات على المادة 27 تمّ التوقيع عليها من قبل دائرة ضيّقة من «الأعضاء الموثوقين». واهتمّ هذا الفريق بموقف الوزير السابق عمر مسقاوي الرّافض لحضور الجلسة وترؤّسها، والذي أبلغ من يهمّه الأمر أنه ليس بوارد مخالفة مواد النظام الداخلي للمجلس والتي لا تسمح بانعقاد جلسات التشريع خلال فصل الصيف، ولا حتى بإدراج أيّ بند من خارج جدول الأعمال، مؤكداً للمُتّصلين به أنه «يرفض الحضور كشاهد زورٍ وختم حياته المهنيّة بمخالفة القانون الشرعي».
من جهتهم، يتدارس المُعارضون للتمديد الخيارات المُتاحة أمامهم، إذ بدأ هؤلاء حملةً على مواقع التواصل الاجتماعي، ورجّح بعض هؤلاء أن يلجأ المعارضون إلى مقاطعة الجلسة، أو الطعن فيها في حال عُقدت وأُقرّت التعديلات على القوانين النّاظمة لعمل دار الفتوى.