Site icon IMLebanon

درعا… المحطة الإسرائيلية في الصراع على سورية

          

لم يكن مستغرباً أن تصل معارك النظام السوري إلى الجنوب والتركيز على مدينة درعا، منطلق الإنتفاضة. فبالإضافة إلى الأهداف العامة للنظام في مد سلطته إلى كامل الأراضي السورية، فإن مدينة درعا لها خصوصية في أحقاد النظام ورئيسه لكونها كانت أول مدينة تتحدى الاستبداد البعثي، وترفع شعارات «إرحل إرحل يا بشار»، و «الشعب يريد إسقاط النظام». الآن جاءت المناسبة لتصفية الحساب مع هذه المدينة، لتكون درساً لكل من يفكر يوماً في التمرد على حكم آل الأسد.

 

 

لم يكن لمعركة الجنوب السوري أن تندلع لولا أن مخطط تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ يستوجب استكمالاً، بعد أن خطا خطوات واسعة في مناطق أخرى خصوصاً في الشمال والشرق. ولم يكن لمعركة الجنوب أن تندلع لولا التوافق الأميركي– الروسي على إنهاء وجود المعارضة المتواجدة بقوة في تلك المنطقة، وتسليمها إلى النظام. سبق الصفقة بوقت غير قليل تهديدات أميركية للنظام بعدم التوجه إلى الجنوب، وبقصف قواته، بما أعطى قوات المعارضة الأمل في الصمود. لكن الأميركيين، كعادتهم، ينطلقون من مصالحهم الخاصة، ولا يكترثون بوعود قطعوها، فأعلنت الولايات المتحدة عن الامتناع عن التدخل العسكري لنجدة قوى المعارضة. كان التصريح الأميركي إعلاناً صريحاً بانطلاق المعركة العسكرية، ترافق مع تخلي روسيا عن التزاماتها بالحفاظ على مناطق خفض التوتر، وانخراطها في المعركة العسكرية إلى جانب النظام في إنهاء الوجود المسلح في الجنوب.

 

لا تُقرأ معركة الجنوب في معزل عن المطالب الإسرائيلية بحصتها في اقتسام مناطق النفوذ. إسرائيل تعتبر هذه المنطقة من حصتها، وترفض وجود أي قوى أخرى على حدودها، وخصوصاً قوى إيرانية مباشرة أو عبر ميليشياتها. وهي حددت سابقاً مسافة أربعين كيلومتراً لوجود قوى من غير النظام السوري. سبق لها وترجمت أهدافها بضربات متتالية للمراكز الإيرانية، ولحزب الله اللبناني الذي كان يطمح لتواجد مسلح على الحدود في الجولان، فعمدت إلى اغتيالات لقادته وتدمير مراكزه. أعلنت إسرائيل صراحة أنها تريد العودة إلى إحياء اتفاق فك الاشتباك الذي وقعته مع الرئيس حافظ الأسد في 1974، والذي ظل سارياً طوال العقود الأربعة الماضية، بحيث تحول الجيش السوري إلى حرس حدود لإسرائيل وحامياً لها من أي عمليات فدائية قد تنطلق من الأراضي السورية. صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان «أن قوات النظام السوري هي أفضل من يحافظ على أمن وسلامة حدود إسرائيل مع سورية»، فيما صرح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قبل أيام بـ «أن حكومته تطالب بتطبيق فك الاشتباك مع الجيش السوري في هضبة الجولان».

 

في ظل هجوم الجيش السوري مدعوماً بالطيران الروسي، يصعب على قوى المعارضة المسلحة الصمود. فخطة الحليفين الروسي والسوري هادفة لتدمير المدينة أسوة بمدن سبقتها في حلب وحمص وغيرها. المجتمع الدولي غير مهتم لا بالحفاظ على المدنيين ولا بالنازحين الذين يناهز عددهم حوالى 270 ألف نازح من مدينة درعا. الكل مهتم ببقاء الأسد في وصفه ضامن الاستقرار في سورية. في الأصل، وخلافاً لتصريحات دولية كانت تصدر من هنا وهناك داعية الأسد إلى الرحيل، فإن القرار الفعلي، من الأميركي إلى الروسي إلى الأوروبي إلى التركي… كلها مجمعة على الحفاظ على النظام وبقاء رئيسه والمجموعة المحيطة به.

 

هذه الاستعادة للمواقف الدولية تسلط الضوء على الهدف الذي كانت تسعى إليه هذه الدول من منع إسقاط النظام السوري. كان الهدف تدمير سورية، بجيشها ومجتمعها، وإنهاء موقعها الاستراتيجي في الصراع العربي الإسرائيلي. كان الهاجس الدائم لدى هذا المجتمع أن الانتفاضة التي قامت قد تطيح بنظام شكل ضامناً للمصالح الإسرائيلية وحارساً لحدودها، وممارساً لكل الأدوار القذرة في ضرب حركات الاعتراض الوطني في المنطقة العربية، من ضربه لقوى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وتدخلاته في أكثر من قطر عربي. هذا النظام، إذا ما سقط، فقد تقع سورية في يد حكم وطني سيشكل تهديداً لأمن إسرائيل، ويمارس أدواراً وطنية ضد القوى الأجنبية التي تستنزف الثروات العربية وتحرم شعوب البلدان العربية من التمتع بها. هذا الهاجس حكم هذه الدول، فالتقت جميعها على تدمير سورية، وقد تحقق لها ذلك، سواء عبر التدخل المباشر من إيران وميليشياتها أو من روسيا وجيشها وسلاحها الحربي.

 

تبقى كلمة في شأن المعارضة، التي تذررت إلى معارضات كل طرف له مرجعيته الإقليمية والدولية. قبل خلق داعش وأخواتها، سعت أقطار اقليمية إلى تفريخ تنظيمات مسلحة وصل عددها إلى المئات، كما خلق النظام ومعه إيران وتركيا وقطر تنظيم داعش والنصرة وغيرها… لعبت هذه التنظيمات دوراً مهما في تدمير سورية وحرف الإنتفاضة عن أهدافها الأصلية. استخدم النظام هذه المجموعات في ضرب الإنتفاضة، وقد نجح في ذلك في شكل مذهل. وعندما حان موعد إعادة ترتيب البيت السوري، لم يكن من الصعب أن تتلاشى هذه التنظيمات بناء لقرار من أوجدها. تلك واحدة من مآسي الإنتفاضة السورية التي كانت واعدة عند اندلاعها، وقبل أن تخطفها التنظيمات المتطرفة، بما خدم النظام إلى أبعد الحدود.