Site icon IMLebanon

مشهد قاتم للإستيراد في الأشهر المقبلة

 

 

قبل اندلاع الانتفاضة وتَسارع الاحداث والتطورات الاقتصادية والمالية والنقدية، كانت الأزمة المصرفية مُستفحلة بصمت، لدرجة أنّ بنوكاً أجنبية مراسلة أوقفت علاقاتها مع مصارف لبنانية، بما جعل عملية فتح الاعتمادات للتجّار من أجل الاستيراد في غاية الصعوبة وتراجع حجم الاعتمادات حوالى مليار دولار في غضون 9 أشهر.

تراجعت قيمة الاعتمادات المصرفية المخصصة للاستيراد لغاية ايلول من العام 2019 الى 800 مليون دولار من حوالى 1800 مليون دولار في نهاية العام 2018، بسبب نقص السيولة الفادح في النظام المصرفي، وذلك قبل اندلاع الانتفاضة وتوسّع تداعياتها ولجوء المصارف الى فرض ضوابط على رأس المال لمنع خروج الاموال.

 

 

 

يؤكد حجم الاعتمادات المتدني انّ الأزمة كانت مستفحلة قبل اندلاع أحداث تشرين الاول، وانّ وضع المصارف الائتماني الحَرِج أدّى الى قطع معظم البنوك الاجنبية المراسلة علاقاتها معها، وإلغاء معظم الاعتمادات التي كانت مفتوحة بينها بهدف الاستيراد وتسيير اعمال المؤسسات التجارية، ممّا أدّى الى تراجع الاعتمادات المصرفية الى حدّ انعدامها حالياً، ليس فقط نتيجة الضوابط المصرفية الهادفة الى منع خروج العملات الاجنبية من البلاد، بل لأنّ البنوك المراسلة الاجنبية التي تتعامل معها المصارف اللبنانية وتربطها بها خطوط ائتمانية تتم من خلالها عمليات الاستيراد، ترفض اليوم التعامل مع مصارف لبنان بسبب تصنيفها الائتماني المتردّي والذي بلغ خانة التعثّر.

 

 

 

والدليل على ذلك انّ الاموال الجديدة أو الـFresh Money التي يؤمّنها التجار من أجل فتح اعتمادات للاستيراد، يتعذّر على المصارف ايضاً استخدامها في هذا الاطار، لتنحصر عمليات التحويل المصرفية حالياً بغرض الاستيراد على المواد الاساسية المدعومة من مصرف لبنان وعلى التجار المستعدّين للدفع سلفاً قيمة وارداتهم من دون الحاجة الى فتح اعتمادات مصرفية.

 

 

 

وقد أكد الباحث في جامعة هارفرد والخبير الاقتصادي دان قزي لـ«الجمهورية» انّ مساعي رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مع بعض الدول لفتح خطوط ائتمان بهدف تسيير عمليات الاستيراد، جاءت نتيجة إقفال عدد كبير من البنوك المراسلة اعتماداتها المفتوحة مع مصارف لبنانية، حيث انّ بنكاً مراسلاً اجنبياً أقفل اعتماداً بقيمة 600 مليون دولار لأحد المصارف اللبنانية، وذلك قبل تشرين الاول.

 

 

 

وأوضح انّ عدم قدرة المصارف اللبنانية على فتح الاعتمادات، تصعّب الى درجة الاستحالة عمليات الاستيراد، ممّا سيدفع التجار الى ابتكار أساليب جديدة لاستيراد السلع بأكلاف مضاعفة. مشيراً الى انّ تداعيات هذا الامر بالاضافة الى الضوابط التي تفرضها المصارف على السحوبات النقدية والتحويلات المصرفية، ستكون بمثابة فرض ضرائب بنسَب كبيرة على كافة السلع المستوردة.

 

 

 

ولفت قزي الى انّ سياسة البنك المركزي اليوم مبنيّة على خفض الواردات، مشيراً الى انّ احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية المقدّر بـ 27 مليار دولار ما زال كافياً لتمويل استيراد السلع الاساسية وشراء المزيد من الوقت، خصوصاً انّ قرار المركزي بات واضحاً من ناحية تجفيف الاستيراد وضبط السحوبات النقدية والتحويلات المالية.

 

 

 

ورجّح أن يبلغ العجز في ميزان المدفوعات صفراً، او ان يتحوّل الى فائض، نتيجة دخول أموال الى لبنان لا يمكن تقدير قيمتها، بالحقائب عبر أفراد، وليس من خلال النظام المصرفي.

 

 

 

من جهة أخرى، إنّ تراجع قيمة الاعتمادات المصرفية يعني انّ الاستيراد، الذي يشكّل 40 في المئة من الاقتصاد اللبناني، يحتضر. والنتيجة ستكون مزيداً من الانكماش الاقتصادي وإقفالاً للمؤسسات والشركات التي تعتمد على الاستيراد حصراً ضمن نشاطها التجاري، مما سيؤدي بالتالي الى مزيد من تسريح للعمّال وارتفاع في معدل البطالة ومعدل الفقر.

 

 

 

كما انّ تراجع قيمة الاعتمادات سيترجم بتراجع في حجم السلع المستوردة ليتجلّى ذلك في فقدان بعضها من الاسواق، وبالتالي تراجع إيرادات الدولة من رسوم جمركية وضريبة على القيمة المضافة، وهو ما أكده وزير المالية الذي صرّح انّ الايرادات تراجعت فعلاً بنسبة 40 في المئة، ممّا يعني انّ عجز الموازنة سيتفاقم الى نسبة يقدّرها الخبراء عند 15 في المئة في 2020.

 

 

 

واذا كانت الواردات قد تراجعت بنسبة 2 في المئة فقط الى 16,6 مليار دولار خلال الاشهر العشرة الاولى من العام 2019 وفقاً لبيانات مصرف لبنان، فإنّ أرقام الشهرين الاخيرين من العام 2019 ستظهر تراجعاً ملحوظاً في هذا الاطار.