كلّ شيء يُنذر بأننا ماضون إلى الإضطراب الإجتماعي الذي يتعذّر ضبطه. هذا ليس توقّعاً جديداً إلا أنّ نذُره تنبئ بأننا متّجهون إلى مواجهات في الشارع قد لا يكون متيسّراً تقدير مداها. أوّل النذر الوضع الإقتصادي الإجتماعي الذي نتجت عنه حالٌ من الضيق الضاغط على اللبنانيين في لقمة عيشهم وقد باتت عزيزة جداً مع تصاعد الإنفلات الهائل في سعر صرف العملة الأجنبية خصوصاً الدولار الأميركي الذي أصبح عن حقّ وحقيق ينطبق عليه المثل السائر “عملة نادرة”. فالورقة الخضراء من أي فئة كانت، تبخّرت والحصول عليها لم يعد إلا لدى كبار الأثرياء وقلّة من أصحاب الحظوظ.
هذا الواقع ضرب القطاعات كلّها حتى التعليم الذي لم يعد في متناول الناس، بعد أن ذابَ آخر ما كان قد تبقّى من الطبقة الوسطى. والالتحاق بالأعمال والوظائف في الخارج هو أيضاً لم يعد ممكناً بسبب هذه الأزمة الإقتصادية التي أصابت أسواق العمل في الدول التي تستقطب الشباب اللبناني. والأكثر من ذلك أنّ التحويلات التي كانت ترد بوتيرة ثابتة تقلّصت إلى الحدّ الأدنى. وأما البطالة فكما يعرف الجميع… إذ إنّ سوق العمل الداخلية مقفلة بشكل شبه نهائي.
وأمام فقدان الدولة قدرتها المالية، وبالتالي تعثّر الإنفاق على المشاريع الحيوية، صار الركض وراء القرش الحلال من رابع المستحيلات.
فكيف سيتصرّف اللبناني المغلوب على أمره إزاء الجوع والعوز وانعدام إمكان القيام بأود الحياة التي فاقت تكاليفها كلّ تقدير؟. الجواب ليس بانتظار فرج لن يأتي، إذ سيجد الناس أنفسهم مدفوعين إلى البحث عن اللقمة بأي أسلوب، أجل بأي أسلوب. والحقيقة أنّ الأساليب كلّها، والوسائل كلّها، وحتى الحِيَل كلّها لم تعد موجودة. وعليه فإنّ المتنفّس الوحيد هو الشارع.
إنه لوضعٌ مؤسفٌ جداّ. ونعرف سلفاً أنه لن يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية. ولن يوصل إلا إلى المزيد من السلبيات.
هذا هو وضعنا وتلك هي حالنا، ما يؤكد على أننا دخلنا في مأزق ولن تكونَ ثمّة بارقة نور في هذا النفق المظلم.
فهل علينا أن نودّع آخر ما تبقى من ذلك اللبنان الذي كان؟
مؤلمٌ أنّ الجواب بالإيجاب.