سبع ساعات لكي تصدر الحكومة اللبنانية بياناً أشبه ببرقية إختلط فيها البديهي بالملتبس، لكأن أزمة العلاقة المقلقة مع السعودية ودول الخليج، تحِلها قبضة من الكلمات، بينما تحتاج الى سياسة منهجية وتراكمية واضحة ومسؤولة، تعيد لبنان الى نفسه ودوره كعضو في الأسرة العربية، لا كبلد تكرر طهران دائماً انه تحت سيطرتها!
بيان حكومي من خمس نقاط يذكرنا بداهة بالدستور الذي يقول ان لبنان عربي الهوية والإنتماء ويؤكّد الوقوف الدائم الى جانب الأخوة العرب وبالإجماع العربي، في حين ان وزير الخارجية خرج ليبرر عدم التزامه هذا الإجماع حيال حرق السفارة السعودية في طهران!
البند الثاني دار حول الصراع السياسي المتمثل في ترجمة نظرية النأي بالنفس، فلم يتمّ الإتفاق إلا على صيغة إنشائية إستدارية تقوم على الإيحاء الرمزي لا على الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها، بما يعني ان المشكلة مستمرة.
فعندما تقول الحكومة إنها تلتزم سياسة النأي بالنفس لتحصّن لبنان تجاه “الأزمات المجاورة” [يعني سوريا وتدخل “حزب الله” فيها خلافاً للنأي بالنفس] ولا تعرّض سلمه الأهلي وأمانه [أي التسليم بعدم القدرة على وقف التدخل في سوريا] وأيضاً لا تعرّض لقمة عيش أبنائه [يعني عدم الإستسلام لسياسة ايران كي لا تتأذى ارزاق ٥٠٠ ألف لبناني يعملون في السعودية ودول الخليج].
ولكن ما هي ترجمة هذا الكلام الذي دار بين طرشان ٨ و١٤ آذار، فلا “حزب الله” سينسحب من القتال في صفوف الإيرانيين، ولا العلاقة مع السعودية ودول الخليج علاقة عمالة ووظائف ولقمة عيش، صحيح ان هذا الأمر مهم ومصيري، لكن هوية لبنان وعروبته وإنتماءه الى الأسرة العربية أهم من الخبز في النهاية، ربما لأن الإنتماء أهم من الامعاء!
ليس المهم القول إن لبنان لن ينسى للمملكة ودول الخليج رعاية الطائف ومساعداتها الدائمة والسخية للبنان وإحتضانها مئآت آلاف من اللبنانيين، المهم عندما نتحدث عن تصويب العلاقة وازالة الشوائب التي ظهرت ان نتذكر بالتحديد واقعة تدعونا الى الخجل:
لقد قرر الملك عبدالله دعم الجيش وقوى الأمن بثلاثة مليارات، أضيف إليها مليار رابع من طريق الرئيس سعد الحريري، بعد المعركة التي خاضها الجيش في عرسال ضد الإرهابيين حيث خطف بعض عناصره، ومنذ ذلك الحين وهناك في التصريحات وإعلام ٨ آذار من لا يتورع ولا يخاف الله فيتّهم السعودية التي موّلتنا لمحاربة الإرهاب، بدعم الإرهاب… فهل من الغريب ان يطفح الكيل؟
أقول للرئيس تمام سلام عشية جولته الخليجية، أكثر من الكلام الحلو المطلوب سياسات داخلية مسؤولة وحريصة على لبنان وهويته العربية تتطلب الحزم، والذين يظنون أنهم “أم الصبي” عليهم ان يتنبهوا الى انهم والصبي مخطوفون، والصرخة الخليجية: خلّصوا أنفسكم ووطنكم!