IMLebanon

مفوضية اللاجئين “تُراجع” طلب الأمن العام حول “الداتا”

 

 

يبلغ عدد السوريين المُسجّلين كلاجئين لدى المفوضية 779,645 فرداً

 

بعد أن روّجت حكومة تصريف الأعمال لسنوات أنّ «داتا» النازحين السوريين إلى لبنان هي «مفتاح الحلّ» لتنظيم النزوح وتصنيف النازحين وتحقيق عودة من لا تنطبق عليهم صفة النزوح أو «اللجوء» أو أنّ إقامتهم غير شرعية، وبعد التجاذب بين المسؤولين والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حيال هذه «الداتا» التي تملكها المفوضية وتفتقر إليها الدولة اللبنانية، «هلّلت» الحكومة للإنجاز الذي حققته في 8 آب 2023 عبر الإتفاق الذي أبرمه وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بوحبيب مع الـUNHCR والذي يقضي بأن تسلّم المفوضية بيانات النازحين إلى المديرية العامة للأمن العام.

 

آنذاك طرح متابعون لهذا الملف أسئلة أساسية حيال هذا الاتفاق وحول «التعويل المُضخّم» على «داتا» المفوضية: هل إنّها شاملة أم منقوصة؟ هل تشمل السوريين الذين دخلوا إلى لبنان خلال السنوات الـ13 الأخيرة كلّها أم ما قبل عام 2015 تاريخ طلب الحكومة آنذاك من المفوضية وقف تسجيل النازحين؟ هل تتضمّن «الداتا» كلّ البيانات الرسمية لكلّ نازح: تاريخ دخوله إلى لبنان، المنطقة التي يتحدّر منها أو نزح منها من سوريا، مكان سكنه في لبنان، وضعه العائلي، المساعدات التي يتلقّاها، هل يعمل… عدد الولادات؟ ماذا عن غير المُسجَّلين كلاجئين؟ لماذا لم تكوّن الحكومة «داتا» خاصة بالدولة اللبنانية عبر البلديات والأجهزة العسكرية والأمنية وبعض الإدارات العامة؟ لماذا تنتظر دولة سيدة من منظمة أممية أن تزوّدها بـ»داتا» عن ما يُقارب نصف سكانها؟

 

الصمت كان سيّد الموقف من الجهات الرسمية وكان الوزراء يتحججون بأنّ هذه «الداتا» لا يمكن أن يطّلع عليها إلّا الأمن العام. كذلك المديرية العامة للأمن العام كانت تكتفي بتسريب أو إعلان أنّها تدرس هذه «الداتا»، إلى حين «انفجار» ملف النزوح أخيراً إثر جريمة قتل منسق حزب «القوات اللبنانية» في جبيل باسكال سليمان وجرائم أمنية أخرى ارتكبها سوريون.

 

بعد أشهر على اتفاق 8 آب برز توجيه الأمن العام كتاباً خطياً إلى مفوضية اللاجئين في لبنان، يطلب بموجبه بعض البيانات الأساسية الإضافية على «الداتا» المسلّمة إليه سابقاً، وذلك لـ»حسن إستثمارها ضمن خطته الإستراتيجية لمعالجة ملف النزوح السوري عبر إعادة تقييم المسجّلين لدى المفوضية ومدى أحقيتهم استمرار تسجيلهم».

 

حتى الآن، لم تسلّم المفوضية إلى الأمن العام المعلومات أو البيانات التي طلبها عن النازحين أو السوريين الموجودين في لبنان. وتقول مصادر الـUNHCR لـ»نداء الوطن»: «إنّ المفوضية تأخذ طلب المديرية العامة للأمن العام في ما يتعلّق ببيانات اللاجئين السوريين على محمل الجدّ، ونحن بصدد مراجعة الطلب بدقة بالتعاون مع مكتبنا الرئيسي».

 

تقرّ المفوضية بمصلحة الحكومة اللبنانية المشروعة في معرفة من يتواجد على أراضيها. ونقلت المفوضية، بموجب اتفاق 8 آب، بيانات حيوية أساسية للاجئين السوريين في لبنان دفعة واحدة في كانون الأول 2023. وباستكمال عملية نقل البيانات الشخصية هذه، تكون المفوضية قد أوفت بالتزامها، بحسب مصادرها.

 

كذلك تذكّر مصادر المفوضية أنّ «الحكومة اللبنانية التزمت عدم استخدام أي بيانات تمت مشاركتها لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، مؤكدةً التزامها مبدأ عدم الإعادة القسرية والتزاماتها بموجب القانون الدولي».

 

في بداية الأزمة السورية وفي ضوء التدفق الكبير للاجئين الذين يعبرون إلى لبنان، طلبت الحكومة اللبنانية من المفوضية المساعدة في إدارة الوضع. وشمل جزءاً من هذه المساعدة التسجيل. ثمّ طلبت الحكومة اللبنانية بعد ذلك من المفوضية التوقف عن تسجيل اللاجئين السوريين في عام 2015. بعد هذا القرار، وبينما تواصل المفوضية تتبُّع أرقام اللاجئين المسجّلين قبل عام 2015 (اعتباراً من نهاية آذار 2024، يبلغ الرقم 779,645 لاجئاً سورياً مسجلاً في البلد) تواصل المفوضية على مستوى العالم وصف فرار المدنيين من سوريا على أنّه «حركة لاجئين، مع حاجة الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين طالبي اللجوء إلى الحماية الدولية للاجئين».

 

هذا يُظهر التعارض بين المفوضية وبين المطلب اللبناني الجامع القاضي بعودة النازحين السوريين الفورية إلى بلادهم. جهات حقوقية متابعة لملف النزوح تؤكد أنّ مفهوم «الإعادة الطوعية» لا يعني أنّ النازح يُمكنه أن يقرّر متى يعود إلى بلاده بل يسري متى باتت ظروف العودة آمنة أو ظروف بقائه في بلد النزوح غير متوافرة. فهل تجرؤ الحكومة على اتخاذ «القرار الكبير» بتكوين «داتا» خاصة بالنزوح وترحيل السوريين الذين لا يستوفون شروط هذه الصفة إلى بلادهم، مهما كانت تصنيفات وتسميات المجتمع الدولي تحت عنوان «الإعادة القسرية» أو غيرها؟ هذا علماً أنّ حلولاً أخرى لهذا الملف سقطت ولم يتبقَّ كثير من الخيارات أمام لبنان، بعدما تقاعست الدولة وأهملت هذا الملف الوجودي منذ عام 2011. فخيار إنشاء مخيمات للنازحين على الحدود اللبنانية – السورية بتمويل أممي ودولي سقط في المهد برفض «التيار الوطني الحر» آنذاك هذا الطرح متخوفاً من تجرية المخيمات الفلسطينية.

 

أمّا خيار «العودة الطوعية» فأثبت عدم جدواه نظراً إلى الأعداد القليلة التي عادت عبر القوافل التي سبق ونظّمها الأمن العام، ولا يبدو أنّ «الفورة اللبنانية» أثّرت كثيراً على السوريين، إذ إنّ قافلة العودة المرتقبة التي أعلنها الامن العام ستضمّ مئات من السوريين أو ألفين منهم وفق الأرقام المتداولة من مسؤولين. كذلك سقط خيار التعويل على «الأصدقاء» الأوروبيين الذين أثبتوا أنّهم ليسوا مستعدّين لمساعدة لبنان في هذا الملف بل يقدّمون «الفتات» لإبعاد شبح اللجوء والنزوح من لبنان إلى دولهم. أمّا الحلّ السياسي الشامل في سوريا وبالتالي إعادة الإعمار، فلا إشارات في الأفق إلى قرب التوصُل إليه.