التحذيرات من انهيار سدّ الفرات تتصاعد منذ الأحد الماضي، وهي ليست فقط تحذيرات داعشيّة، بل تحذيرات تصبّ من مصادر شتّى، ربّـما أكثرها جديّة هي التي أطلقها مهندسون سوريّون توقّعوا فيها انهيار السدّ ونشرتها صحيفة إيزفيستيا الروسيّة، محذّرة من أنّه في حال وقوع هذه الكارثة فإنّ تيّار الماء المتدفق سيغمر مدناً كبيرة وعدداً هائلاً من البلدات والقرى في سوريا والعراق ويتسبب بغرق مئات الآلاف من البشر، وقد يكون التحذير الأجدى هو حال النزوح التي تشهدها مدينة الرّقة، فيما طيران التحالف الدولي، والطيران الأميركي سيكون له الذراع الطولى في قصف السدّ تمهيداً لانهياره تحت ضعط المياه المتجمّعة خلفه في بحيرة الأسد.
ونتناول موضوع التهديد بانهيار السدّ من زاوية مختلفة تماماً عما جرى تداوله خلال الأيام الماضية، فمن علامات الساعة الصغرى عند المسلمين انحسار نهر الفرات، فقد ورد في الصحيحين البخاري ومسلم وسواهما من كتب الحديث والفتن والملاحم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يُحْسَر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا أنجو»، وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً»، وعن عبدالله بن الحارث بن نوفل رضي الله عنه قال: كنت واقفاً مع أبي بن كعب، فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا؟ قلت: أجل، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوشك الفرات أن ينحسر عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله، قال: فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذهب الدنيا حتى ينجلي فراتكم عن جزيرة من ذهب، فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون».
ومن تفاسير هذه الأحاديث ننقل عن الإمام النووي رحمه الله – في معنى انحسار الفرات: ومعنى انحساره، انكشافه لذهاب مائه، وقد يكون بسبب تحول مجراه، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب، وهو غير معروف، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب، ومر قريباً من هذا الجبل كشفه، يقول الحافظ ابن حجر عن سبب تسميته بالكنز، في الحديث الأول، وعن سبب تسميته بجبل من ذهب في الحديث الثاني: وسبب تسميته كنزاً باعتبار حاله قبل أن ينكشف، وتسميته جبلاً للإشارة إلى كثرته.
ويربط الشيعة انحسار الفرات عن جبل من ذهب بظهور المهدي، ويستعينون في المواقع التي تتحدث عن عصر الظهور للتأكيد بصحيفة نيويورك تايمز واقتباسها من انجيل رؤيا يوحنا عن جفاف الفرات وهذه الترجمة العربية للسطر المقصود: 12 وَسَكَبَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ كَأْسَهُ عَلَى نَهْرِ «الْفُرَاتِ» الْكَبِيرِ فَجَفَّ مَاؤُهُ، لِيَصِيرَ مَمَرّاً لِلْمُلُوكِ الْقَادِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ [والمقصود بالشرق هنا إيران]. ويستعينون أيضاً بما أوردته وكالة NPR [وكالة الأنباء للولايات المتحدة Public National Radio] تقريراً ايضاً عن انحسار الفرات وجفافه وظهور معابد وقبور وعملات ذهبية كثيرة ومجوهرات ويقال انها من العصر الروماني القديم. (التقرير من مارس 2009).
ولم يسلم الفرات وانحساره من تفسيرات وادّعاءات «داعش» التي قامت بنشر صور قبل أعوام تؤكد فيها العثور على كنوز ذهبية في نهر الفرات وذلك بعدما انحسر منسوب المياه في نهر الفرات في بحيرة حديثة، لتجيّر الحديث الشريف عن أننا نعيش زمن «دولة الخلافة»!
لا نملك تفسيراً شخصيّاً لما نصّ عليه الحديث النبوي الشريف، مع إيماننا المطلق بأنّه «صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»، مع الدعاء بأن يلطف الله بعباده فلا يجرف طوفان انهيار السدّ معه مئات الآلاف من الأبرياء في تسونامي يغيّر خريطة المنطقة!