رائحة الخراب لا تقتصر على جريمة تفجير المرفأ واغتيال بيروت، التي باتت محجّة كِبار الزوّار من عواصم القرار. وواضح أنّ هجمتهم الرعوية تتجاوز بأهدافها فعل التفجير وتداعياته.
وهي لا تتعلّق فقط بمساعدة اللبنانيين. فهذه الأمور في حساب الدول من الحواشي التجميلية، المُرافقة لصفقات البيع والشراء على حساب دم المنكوبين وخسارتهم أرزاقهم.
والمؤسف أنّ معرفة تفاصيل الجريمة، والمساهمة في كشف النقاب عن المُرتكبين لا تؤشّران الى محاسبتهم، ولكن للمقايضة بالمعرفة في الصفقة المرتقبة.
ولا بد من الإشارة الى أنّ المسافة بين معرفة حقيقة الجريمة وتركها تهترئ ساهم بالسماح للمرتكبين بتفخيخ لبنان. والخوف يبقى قائماً من جريمة أكبر، اذا بقيت الأمور على توازناتها الحالية.
من هنا، فإن أهمية كارثة اغتيال بيروت لكبار الزوار والمستكشفين، تكمن في الباب الذي فتحته للمفاوضات المعروفة أهدافها الثابتة، وإن تغيرت تكتيكات التخطيط لها، وِفق الظروف والمعطيات.
فقد عجّل إنفجار المرفأ في إستحقاق المواجهة الإيرانية ـ الأميركية، مع أنّ إيران كانت تُفضّل تأجيلها الى ما بعد الإنتخابات في بلاد العم سام، لتضبط بوصلتها وفق النتائج.
وفي حين يُذكّرنا الواقع الحالي مع زيارة ديفيد هيل، بمرحلة اجتياح إسرائيل لبنان عام 1982، والجولات المكّوكية التفاوضية التي قام بها فيليب حبيب، بالرغم من اختلاف المعطيات بين منظّمة التحرير الفلسطينية وإيران، التي كانت قد بدأت التخريب في لبنان الذي كان ورقة وساحة، ولا يزال…
من هنا، نحن حِيال خطط مُتناقضة متواجهة مُتزامنة مع التغيير الخطير المقبلة عليه منطقتنا الساخنة. وهيل، الخبير بقماشة أهل المنظومة السياسية عندنا، يسعى للتفاوض مع إيران بورقة لبنان، ويُدعِّم سعيه بالإبتزاز اللازم لـ”حزب الله”، الذي يعرف مُشغّله بدوره، من أين تؤكل كتف الكيان اللبناني.
الا أنّ المراهنة على إضعاف “حزب الله” من خلال التضييق عليه لإبتزاز إيران قد تُحدث نتائج عكسية. فـ”الحزب” الذي يسيطر على لبنان، بعدما فخّخه أمنياً واقتصادياً وسياسياً لا يزال حاضراً لقلب الطاولة. إذ لا يُمكن لإيران ان تُفرّط بورقة لبنان، لأنّها الأغلى والأثمن، بالمقارنة مع بغداد وصنعاء ودمشق.
وليس مُستبعداً أن نشهد بداية، تعقيداً لتشكيل الحكومة العتيدة، مع إصرارٍ على إبقاء دياب في السراي الى أن يشاء المِحور الإيراني عكس ذلك.
وربّما يُخطئ الأميركيون اذا اعتبروا أنّهم قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى غايتهم من إيران المُتأّزم وضعها، والتي قد تتساهل وتتنازل في الساحة اللبنانية لترفع رصيد ترامب في الإنتخابات المقبلة، أو أنّها ستواصل العضّ على جراح إستهدافها في داخل أراضيها، بالإضافة الى ضرب مراكزها في سوريا.
وقد تُصيب هيل ورؤساءه خيبة أمل، اذا ما واجهت جمهورية الولي الفقيه الإبتزاز بإبتزاز عنيف آخر على حساب لبنان…
ويبقى السؤال: أين الكيان الصهيوني من كل هذه الحماوة الإقليمية؟
بكل أسف، لا شيء يحول دون إستغلال إسرائيل هذه الحماوة والفوضى المُرافقة لها، كعادتها، لتقوم بضربة جديدة على لبنان حتى تحشر”حزب الله”، وتجعلنا ننسى فظاعة النموذج الدموي لتفجير المرفأ.
فالواضح أنّ الأهداف لا تزال على حالها منذ فيليب حبيب الى ديفيد هيل، حتى لو تغيّر التكتيك.