لا يختلف المشهد في لبنان عنه في العالم العربي الذي أطاحت به «الثورات» أو مخططات دوليّة وأنظمة حكم مستترة خلف أقنعة المعارضة مرة وخلف قناع الثورات مرّات.. سيلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد هيل المسؤولين السياسيّين في لبنان وفق برنامج يعلن بعد وصوله مساء اليوم واستوقفنا أن برنامجه يلحظ موعداً مع المجتمع المدني، وهم قوى متفرقة بل يصلون أحياناً إلى شخص واحد يشكّل بمفرده هيئة أو ملتقى أو ـ أسموه ما أردتم ـ وإذا أضفنا إلى مسمّى المجتمع المدني قوى المعارضة السياسيّة ستنفلش أمامنا حقيقة أنّ هؤلاء ليسوا أكثر من مجموعة أحزاب تتلاقى رغماً عنها لضرورات المشهد الخارجي وتتفرق محطّمة مشهد وحدة المعارضة الفاعلة خادمة بذلك كلّ المتكالبين على لبنان ومصيره خصوصاً!!
لا يفرق المشهد اللبناني كثيراً عن المشهد العربي، على الأقل فلنستعد الرؤية منذ العراق، شخصيّات متفرّقة في أنحاء العالم تدّعي معارضتها لصدّام حسين بنظامه المحاصر والمرهق والشعب العراقي الجائع على الأقل نستعير من ذاك المشهد أحمد الجلبي الذي قيل فيه إنّه عرّاب الغزو الأميركي للعراق، كان مجرّد أداة ادّعاء أنّ هناك معارضة، سقط نظام صدام لم يحتج المشهد كثيراً ليكتشف الجميع أن ليس هناك في العراق معارضة سياسيّة تملك مشروعاً ينهض بالعراق، وكذلك عندما اندلعت الثورات منذ تونس وثورة الياسمين وبعدها ثورة 25 يناير وصولاً إلى الثورة السوريّة انتهاء بخديعة ثورة 17 تشرين العام 2019 في لبنان، إلى ماذا أفضت كل هذه المشاهدة؟ جميعها وضعتنا وجهاً لوجه أمام حقيقة واحدة هي أنّ كلّ هذه الثورات فضحت عدم وجود معارضة سياسيّة تتسلم زمام السلطة في أي دولة من هذه الدولة، من المشهد التونسي إلى المشهد السوري انقضّت جماعة الإخوان المسلمين على السلطة لتتسلّط على الحكم، وذهبت الأمور في أماكن مثل العراق وسوريا إلى خلق «داعش» لتقاطع مصالح أميركا وإيران وبعض الأنظمة إلى «البعبع» الإرهابي.. وبصرف النظر عن هذه كلّها لا يوجد أيّ معارضة سياسيّة في أي دولة عربيّة ومنها لبنان قادرة على تسلم الحكم والنهوض بأي بلد من البلدان العربيّة، ستتشرذم سريعاً وتتفرق كلّ منها يسعى خلف مصالحه الشخصيّة!!
سيلتقي ديفيد هيل مجموعات متفرقة متشرذمة لا تشكّل دولة موحّدة بما فيها الرئاسات الثلاثة، رئيس الجمهورية في وادٍ لوحده قرّر أخذ البلاد إلى التدقيق الجنائي وتجاهل تعطيله وصهره تشكيل حكومة يطالبه العالم كلّه بتشكيلها بأسرع وقت ممكن، وما تبقّى شراذم كلّ منها بالكاد يمثّل جماعته وينازعه على تمثيله شرذمة قليلون، ومعهم أقل من القليل هو المجتمع المدني، فأين المعارضة اللبنانيّة القادرة على نقل لبنان خطوة إلى الأمام من دون أن «يهرهر» بين يديها، وبعدها لا يستطع أحد أن يجمع شتاته من جديد!!