IMLebanon

هيل في بيروت: زيارة وداعية أم مبادرة سياسية؟

 

 

بعد جلسة زادت على ساعة لم يستطع احد المشاركين في الاجتماع مع وكيل وزارة الخارجية الاميركية دايفيد هيل ان يخرج باستنتاج مفيد او خلاصة محددة عن هدف الزيارة ومضمونها. أمضى المسؤول الاميركي، الذي شارف على إنهاء مهامه كوكيل في وزارة الخارجية الاميركية، وقته يكرر مواقف بلاده الكلاسيكية ذاتها. لم يأت بما هو استثنائي لا سلباً ولا ايجاباً على عكس الزائرين الذين سبقوه ممن عبّروا عن موقف واضح وداعم للرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، وخاضوا معركته السياسية في مواجهة خصومه علناً، غير ان هيل لم يتحدث بهذا النفس ولا اظهر دعماً لطرف او جهة معينة ولو انه يعتبر من الجناح المتعاطف مع لبنان ولا يدخل في زواريب التحريض السياسي الذي درج عليه آخرون في الادارة الاميركية السابقة .

 

وكان مفاجئاً إعلانه من عين التينة ان زيارته لبنان تأتي بناءً على طلب وزير الخارجية الاميركي أنطوني بلينكن من دون ان يحمل معه ما يشير الى مسعى اميركي معين او مبادرة وانما “لمناقشة الأزمة السياسية والاقتصادية المؤلمة التي تواجه لبنان ولإعادة التأكيد على التزام أميركا بالشعب اللبناني”. المسؤول الذي سبق ان زار لبنان في كانون الأول من العام 2019 ومرة أخرى في آب من العام 2020 بعد انفجار المرفأ، لم يجد شيئاً قد تغير ان لناحية تشكيل حكومة او القيام باصلاحات او حتى على مستوى التحقيقات في انفجار المرفأ. سمع آنذاك إجماعاً واسع النطاق بين القادة اللبنانيين حول الحاجة، التي طال انتظارها، إلى “تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية وحوكمة رشيدة، انما حتى اليوم لم يحرز سوى تقدم ضئيل جداً”.

 

ولن تختلف زيارته الثالثة اليوم عن سابقاتها رغم قوله “إن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مستعدان للمساعدة، ولكن لا يمكننا أن نفعل شيئاً ذا مغزى من دون الشريك اللبناني”. واعتبر أنه “حان الوقت لدعوة القادة اللبنانيين إلى إبداء المرونة الكافية لتشكيل حكومة راغبة وقادرة على الإصلاح الحقيقي والأساسي، كسبيل وحيد للخروج من هذه الأزمة، ولو انها ليست سوى خطوة أولى”. لم يفته التحدث عن “تعاون وتنفيذ اصلاحات”. كلام عمومي بالمبدأ تميز بكونه لم يأت على ذكر “حزب الله” ولم يشترط عدم تمثيله في الحكومة بل اكتفى بالدعوة لتشكيل حكومة راغبة وقادرة على الاصلاح الحقيقي من دون ان يدخل في تفاصيلها.

 

مجرد بيان معد مسبقاً ومتفق عليه منذ أيام ذاك الذي تلاه هيل بعد زيارته عين التينة ليلتزم الصمت بعد زياراته المتبقية واعداً انه سيكون لديه المزيد ليقوله عند اختتام اجتماعاته غداً(اليوم)، ولكن رسالته خلال اجتماعات أمس “بكل بساطة أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مستعدان للمساعدة، ولكن لا يمكننا أن نفعل شيئاً ذا مغزى من دون الشريك اللبناني”.

 

قد يكون مستغرباً لكنه الواقع ان المسؤول الاميركي قصد لبنان مستطلعاً في زيارة وداعية اكثر منها زيارة مهمة. الرجل ذاته لم يتعرف على سياسة بلاده وموقف الادارة الجديدة من موقعه وعما اذا كان سيستمر في مهامه او سيصار الى تعيين البديل. هو ايضاً يعتبر في مرحلة تصريف الاعمال مع فارق وجوب الاستمرار في مهامه وتنفيذ المطلوب منه. كرر ما سبق وردده مع غيره من المسؤولين من قلق “الولايات المتحدة وشركائها الدوليين ازاء الفشل الحاصل في لبنان في إطلاق برنامج الإصلاح الحاسم الذي طالما طالب به الشعب اللبناني”.

 

كلام عمومي يؤكد ان لا سياسة اميركية واضحة بعد تجاه لبنان ولو ان معلومات المطلعين على الموقف الاميركي لا تخفي وجود رسائل من تحت الطاولة وان هيل نفسه سبق وان تواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وان اشارات اميركية وصلت الى المسؤولين تقول شكلوا حكومة وان الاميركيين لن يتوقفوا عند تفاصيل هذه الحكومة وشكلها وان الادارة الاميركية لن تعمل على مقاطعتها لكونها غير راغبة بانهيار لبنان، لدرجة ان السفيرة الاميركية ذاتها لم تمانع في تعويم حكومة تصريف الاعمال الحالية.

 

وقد شهد الاسبوع الماضي اكثر من لقاء لمسؤولين اميركيين مع مسؤولين من البنك الدولي لبحث امكانية مساعدة لبنان. وقد تناهى الى مسامع مسؤولين اميركيين نصائح من جهات لبنانية وغربية ان التضييق على لبنان بهدف معاقبة “حزب الله” وعزله انما يلحق الضرر في لبنان واللبنانيين بينما يزيد “حزب الله” قوة وصلابة في موقفه ما يحتم اعادة النظر في السياسة الاميركية السابقة تجاه لبنان. يعلم هيل ان ادارة بلاده لم تحدد سياستها النهائية تجاه لبنان لكنه يحاول النصيحة باستغلال الفرصة للتقدم خطوة الى الامام، على ان الزيارة الاهم ستكون الى رئيس الجمهورية اليوم والمتوقع ان يتم بحث جملة مواضيع اصلاحية وسياسية متعلقة بتشكيل الحكومة فضلاً عن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية جنوباً.