Site icon IMLebanon

رئيس للبنان في بارجة أميركية

 

قدّم سفير الولايات المتحدة الأميركية السابق في لبنان ديفيد هيل رواية كاملة لوصول الجنرال فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية عام 1958. وتمثّل هذه الرواية مساهمة يُحسب لها حساب في تاريخ لبنان. وأهمية هذه الرواية أنها أتت من مرجع ديبلوماسي أخذ على عاتقه توثيقها بوثائق تبعث على الطمأنينة إلى ما ورد فيها.

 

في كتابه الصادر حديثاً بنسخة عربية عن دار المشرق تحت عنوان «الديبلوماسية الأميركية» خصص هيل الفصل الثاني لأحداث العام 1958 وما شهدته من تطورات داخلية وإقليمية في عهد الرئيس دوايت ايزنهاور. وخلال ذلك العام حصل تمرد للمعارضة اللبنانية ضد حكم الرئيس كميل شمعون. وكانت المعارضة ومن بين رموزها كمال جنبلاط وصائب سلام، تحظى بدعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر. أمّا شمعون فكان محسوباً على الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة.

 

يقول هيل عن تلك الحقبة: «أجرى السفير الأميركي في مصر ريموند هير وعبد الناصر حواراً حول لبنان في شهريّ أيار وحزيران 1958. أخبر هير عبد الناصر أنّ تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة يعتمد على إنهاء زعزعة لبنان. اقترح الأخير في 7 حزيران مبادرة مشتركة مصرية – أميركية تقوم على استبدال شمعون بالجنرال فؤاد شهاب قائد الجيش اللبناني بعد انتهاء فترة ولاية شمعون الرئاسية، وعدم ملاحقة المتمردين، وتشكيل حكومة برئاسة القومي العربي رشيد كرامي.

 

وفي 10 تموز، أعلن شمعون في مقابلة صحفية لبنانية، عدم رغبته في ولاية ثانية. وبعد 6 أيام، أي في 16 تموز، وصل إلى بيروت مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية روبرت مورفي. وجاءت زيارة مورفي بعد يوم واحد من نزول قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» على متن البوراج الحربية على شواطئ بيروت. ويتذكر مورفي تعليمات الرئيس ايزنهاور التي حملت قدراً كبيراً من المرونة، إذ أوكل إليه التصرف بما يفيد المصالح الأميركية. وتوصل مورفي إلى نتيجتَين: أولاً، أنّ الجيش اللبناني هو الخيط الرفيع الذي يبقي الدولة متماسكة، وسينقسم إذا هاجم المتمردين. ثانياً، أنّ حل الأزمة متعلق باجراء انتخابات رئاسية عاجلة.

 

يضيف هيل: «أقنع مورفي قادة المعارضة بأنّ القوات الأميركية لم تأت لتأمين ولاية ثانية لشمعون. وتمحورت لقاءات مورفي المنفصلة مع شمعون وشهاب وسلام وجنبلاط وكرامي وريمون اده حول الحل الذي اقترحه عبد الناصر في أيار على هير، والذي تضمن توافقاً على رحيل شمعون عند نهاية ولايته في 23 أيلول، وانتخاب الكتل البرلمانية لشهاب خلفاً له. وفعلاً، انتخب في 31 تموز 1958 شهاب رئيساً للجمهورية في الدورة الثانية من الاقتراع. وفي 23 أيلول تسلّم شهاب سلطاته الدستورية».

 

مضت الأعوام الستة التي أمضاها شهاب رئيساً للجمهورية. لكن القصة الأميركية لوصول الجنرال إلى القصر الرئاسي لم تكن مطابقة لقصة خروجه منه. ويروي هيل بعض وقائع القصة الثانية. وينقل عما دوّنه السفير الأميركي آرمن ماير في لبنان خلال نهاية ولاية شهاب، أنّه، أي ماير، ساعد شهاب على بلورة موقفه فقرر الأخير رفض التجديد ودعم شارل حلو الذي انتخب في 18 آب 1964. شعر ماير بارتياح وكتب: «هكذا يجب أن تعمل الديبلوماسية بهدوء ومن دون تطفل».

 

من يتصفّح كتاب هيل يتبيّن له أنّ عام 1958 كان استثنائياً في السياسة الأميركية تجاه لبنان. وهو عام لم ولن يتكرر. فهل من عبرة في قصة رئيس للجمهورية والبارجة الحربية الأميركية؟