ليس دقيقاً القول إن الولايات المتحدة الأميركية غير مهتمة بما يجري في لبنان. والأدق القول إنها مهتمة بالتفاصيل، ليس بسبب “حزب الله” وما يعنيه بالنسبة إليها، بل بسبب الحضور اللبناني المتنوع في أميركا نفسها. حيث تقيم مجموعات كاملة انتقلت من لبنان مع ولاءاتها القديمة من الجنوب إلى الشمال، وحيث تنشط أيضاً، شخصيات من أصول لبنانية، نافذة ومؤثرة في مواقع السلطة المختلفة.
الاهتمام الأميركي يسبق حالة “حزب الله”. ويعود أقله إلى نهاية الحرب العالمية الأولى. ونشط بعد الحرب الثانية وبات لبنان ركناً في سياسة واشنطن الشرق اوسطية، القائمة على ضمان مصالحها الاستراتيجية في مواجهة خصوم دوليين وإقليميين، وأبرز هذه المصالح النفط وأمن إسرائيل.
لا مشكلة بين لبنان وأميركا غير ما يتصل بالخلاف العربي معها في شأن القضية الفلسطينية، عدا ذلك تبدي الإدارات الأميركية المتعاقبة اهتماماً بدعم سيادة بلدنا واستقلاله وتمسكها بتعزيز مؤسساته الدستورية والأمنية. وفِي هذه السنة التي تشرف على نهايتها عبرت واشنطن عن اهتمامها في اكثر من مناسبة مثيرة باستمرار مسألة نشاط “حزب الله” كجزء من المشكلة الايرانية، يتناقض مع نظرتها الى مقتضيات قيام الدولة المزدهرة بمؤسساتها الشرعية.
افتتح ديفيد هيل السنة بزيارة الى بيروت (أواخر 2018- بداية 2019). التقى الجميع بمن فيهم قائد الجيش وحاكم المصرف المركزي وكرر دعمه للدولة وملاحظاته بشأن “حزب الله”. وفِي نيسان الماضي حل وزير الخارجية مارك بومبيو في لبنان، وفِي الثلث الاول من أيلول حضر مساعده ديفيد شينكر وبعده بعشرين يوماً جاء مساعد وزير الخزانة لشؤون الاٍرهاب مارشال بيلغنسلي ليؤكد “الشراكة القوية مع لبنان… وثقة الحكومة الأميركية بشكل عام بالقطاع المالي اللبناني”.
لم يمض شهر على هذه الزيارة حتى اندلعت انتفاضة 17 تشرين، وفِي 29 منه اصدر بومبيو بياناً قال فيه: “في ضوء استقالة… الحريري، تدعو الولايات المتحدة الزعماء السياسيين اللبنانيين الى تسهيل تشكيل حكومة جديدة بسرعة، على ان تكون قادرة على بناء دولة مستقرة ومزدهرة وآمنة تستجيب لاحتياجات سكانها”.
يأتي هيل اليوم الى بيروت والحكومة مستقيلة ولَم يولد بديل منها، وسيجد من يقول ان بلاده تمنع ولادتها. لكن الصدفة المأسوية جعلته يقوم بزيارة بيروت قبل عام ليجد الرئيس سعد الحريري متعثراً في تشكيل حكومة كلّف برئاستها بعد انتخابات 2018، واستغرقت ولادتها شهوراً بسبب منازعات أهل السلطة، من دون تدخل إمبريالي خارجي او حاجة اليه. وأنهى هيل تلك الزيارة بالاعلان ان “المجتمع الدولي يراقب عن كثب موضوع تشكيل الحكومة وهذا امر يعود الى لبنان وحده…”. ثم ختم هيل قبل عام بالتمام والكمال: “اننا نشجع حكومة تصريف الاعمال على ان تتدخل… للحفاظ على الاقتصاد الوطني “! وكلام هيل قد يصح مرة أخرى.