IMLebanon

ملف ترسيم الحدود… أول غيث “التسوية الكبرى”؟

 

صحيح أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال أمام اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة، إنّ فرنسا لا تسعى إلى انتداب لبنان من جديد، لكن الوقائع تثبت أنّ قصر الإليزيه هو الذي يقود مشاورات التكليف والتأليف للحكومة اللبنانية، سواء على مستوى التواصل مع الدول المعنية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وايران، أو على مستوى القوى الداخلية.

 

خطوط اتصال وتواصل عابرة للمتوسط، يجريها ماكرون مع المعنيين لتسريع عملية انتقال السلطة التنفيذية من حكومة حسان دياب التي توضب أغراضها لمغادرة السراي الحكومي، إلى خليفتها، والتي يفترض أن تؤول رئاستها إلى رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري بعد ترتيب الخلافات بين أولياء أمرها.

 

فقد بيّنت الساعات الأخيرة أنّ تلاقي الأزمات قد يولد فرصة لاعادة وضع الملف اللبناني على سكة تفاهم داخلي محصّن برغبة خارجية ترفض انزلاق الوضع الداخلي إلى مزيد من الفوضى. ومع ذلك لا يزال هناك الكثير من العقبات.

 

تزامناً مع الحراك الفرنسي، يصل وكيل وزير الخارجية الأميركي دايفيد هيل إلى بيروت في زيارة تحمل عنوان وضع اللمسات الأخيرة على مفاوضات ترسيم الحدود، فيما سيكون الملف الحكومي طبقاً أساسياً على مائدة الزائر الأميركي مع ضيوفه.

 

هنا تتضارب الروايات حول مدى جدية الكلام حول تقدّم ملحوظ بلغه ملف التفاوض حول الحدود البحرية والذي يشكل واحداً من أبرز اهتمامات الادارة الأميركية في لبنان.

 

تقول الرواية الحذرة إنّ زيارة هيل إلى بيروت لم تؤجل إلى يوم الخميس بعدما كانت مجدولة في وقت سابق، لا بل هي مقررة لهذا الموعد بالذات، كما أنّ زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر والمكلف متابعة ملف ترسيم الحدود، لم تحدد، وقد لا تحصل في القريب العاجل، ما يعني أنّ الكلام عن الانتهاء من الملف البحري فيه مبالغة ومحاولة من رئاسة الجمهورية كما رئاسة مجلس النواب لتسوية المسألة “على الحامي”.

 

وجلّ ما حصل إلى الآن هو توحيد المقاربات اللبنانية بعدما كانت متباينة، فيما اسرائيل تتصرف بحراً وبراً وكأنها غير معنية بملف الترسيم وبالخطوط التي يصر عليها لبنان.

 

أما الرواية المتفائلة فتنقل كلاماً عن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أبلغته بشكل رسمي منذ مدة إلى أكثر من مرجع ومفاده أنّ ملف ترسيم الحدود بلغ خواتيمه، ولهذا لم يتردد رئيس مجلس النواب نبيه بري في الافصاح عن هذا الأمر… من دون أن يعني ذلك أنّ الاعلان عن الاتفاق قد يكون قريباً، وقد يتم ربطه بالتسوية السياسية التي تتولى باريس حياكتها. فهل يكون الملف البحري حجر زاوية تفاهم شامل يعيد الاستقرار المالي والسياسي إلى لبنان؟

 

صورة المشاورات الحكومية

 

في هذه الأثناء، بدت صورة المشاورات الحكومية على الشكل الآتي:

 

– يرفع العونيون السقف من جهة حيث يطالبون بحكومة تكنوسياسية لا يكون الحريري رئيسها، ويعلنون من جهة أخرى استعدادهم لتسهيل المشاورات الحكومية. وهنا يقول بعض المتابعين إنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أبلغ الرئيس الفرنسي انّه يتعرض لاستهداف شخصي، لكنه يرفض أن يكون حجر عثرة في أي اتفاق من شأنه أن يفضي الى ولادة حكومة تحظى بموافقة كل القوى. كما نقل عنه حين سئل عما اذا كانت مشاركته قد تحول دون قبول الحريري ترؤس الحكومة، إنه لا يفكر أصلاً في العودة إلى كرسي الوزارة. ومع ذلك، لا يجزم المتابعون في اعتبار ما يتسرب عن باسيل، مواقف نهائية وقد تكون مجرد مناورة لا أكثر.

 

– نقل عن رئيس “تيار المستقبل” إنه لا يمانع في ترؤس الحكومة المقبلة ويرفض تسمية من ينوب عنه، الا أنّه يحتاج إلى ضمانات دولية وعربية تحمي حكومته من ضربات الخارج، وتسمح لها بالعمل بفعالية لمنع وقوع مزيد من الكوارث والمصائب. وهو يميل الى تسمية وزراء من الكفاءات. ما يعني استبعاد احتمال توزير باسيل، بانتظار ما ستفضي مشاورات باريس لصيغة مشاركة “حزب الله”، كون هذه النقطة بالذات هي واحدة من العقد المطروحة.

 

– يفضّل الثنائي الشيعي أن تكون الحكومة برئاسة الحريري وأن تكون ممثلة لكل القوى السياسية من دون استثناء بمعزل عن تصنيف الشخصيات التي ستتمّ تسميتها، أي أن تكون من الاختصاصيين أم من السياسيين.

 

– فضّل رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أن يحيط موقفه من المشاورات الحكومية بشيء من الغموض البناء، بحيث لا يكون معرقلاً ولا يكشف في الوقت عينه عن كل أوراقه. ولذا أعلن إنه ليس لديه مرشح لرئاسة الحكومة ولا يضع شروطاً. وهو في الواقع، يترقب انقشاع الرؤية الدولية قبل أن يضع أوراقه على الطاولة، ولذا يفضل عدم مغادرة مركب أي تفاهم في ما لو حصل، وعدم رمي نفسه سريعاً في محرقة المشاورات في ما لو عبرت معموديات نار.