هكذا يتم اختيار السفراء في واشنطن
دايفيد هيل.. وسلّم الأولويات الأميركية
عندما عين السفير الاميركي دايفيد هيل سفيرا لبلاده في لبنان في الاول من آب عام 2013 وضع امامه التحدي الكبير: اما ان يكون جيفري فلتمان الرابع بعد ميشيل سيسون ومورا كونيللي او ان يكون دايفيد الاول.. فنجح في التحدي.
أرسى هيل في ولايته الديبلوماسية اللبنانية قواعد الانفتاح على مختلف الافرقاء، باستثناء «حزب الله» تماشيا مع القوانين الاميركية، ومنهم العماد ميشال عون بعدما كانت كونيللي تقصد الرابية وتعود منها خائبة لانها استخدمت معها لغة «الاملاء». حتى ان اوساطا ديبلوماسية تكشف ان هيل هو من شجع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري على الانفتاح على «الجنرال». وفي هذا السياق ينقل عن عون رأيه بشخصية هيل «في السابق كانت الادارة الاميركية ترسل ديبلوماسيا يتعاطى السياسة، واما اليوم فأرسلوا ديبلوماسيا يتعاطى الديبلوماسية».
من سيخلف هيل في منصبه لن يكون بالضرورة دايفيد الثاني. فما ساعد السفير الاميركي على ارساء قواعده الانفتاحية تلك عنصران:
اولا، كان لبنان في الخارجية الاميركية، وتحديدا في دائرة الشرق الادنى، يقبع في أسفل الاولويات بخلاف مراحل سابقة استحوذ فيها لبنان على اهتمام غير مسبوق (أيام جيفري فيلتمان في عهد جورج بوش). فترك لدايفيد هامشا من التحرك.
ثانياً، لا احد في الخارجية يعرف عن لبنان ما يعرفه دايفيد هيل كونه «خدم» في لبنان على مرحلتين في التسعينيات كسكرتير في السفارة وكنائب ثان للسفير. هل هذا يعني ان «انشغال» الخارجية الاميركية عن لبنان يصب في مصلحته؟ تجيب الاوساط الديبلوماسية: «بالتأكيد نعم. فعلى عكس ما يعتقد البعض في لبنان، كلما غاب لبنان عن تصريحات المسؤولين الاميركيين، كلما صب ذلك في مصلحة البلد الصغير. قد يستغرب البعض هذا الاستنتاج خصوصا عندما لا تتعب بعض القوى من مناشدة الدول العظمى وفي مقدمهم اميركا بأن: اهتموا بنا». وتضيف: «ان اولويات الاهتمام الاميركي تكون عادة في المناطق الساخنة، كما هو حاصل اليوم مثلا في اليمن الذي بات يتغلب على العراق. حتى ان القضية الفلسطينية بالكاد تذكر منذ عودة بنيامين نتنياهو. وانطلاقا من هنا من المفيد ان تكون في أسفل سلم الاولويات الاميركية».
ما هي الآلية لاختيار الديبلوماسي الاميركي سفيرا لبلاده في لبنان؟ تمتد ولاية السفير الاميركي في لبنان سنتين فقط لا غير. وتشرح الاوساط: «السنة الاولى يخصصها لممارسة مهامه كسفير، واما السنة الثانية فيبدأ في تصفح الموقع الالكتروني للخارجية الاميركية التي تحدد تباعا المواقع الشاغرة للديبلوماسية الاميركية في بلدان العالم». يحق للديبلوماسي ان يختار 3 مواقع ويرسل طلبه الى الخارجية. فتدرس الوزارة طلبه واين يمكن ان يكون هذا الشخص مفيدا وفقا لكفاءته وخبرته وسجله ككل. وبدورها ترسل الملف الى البيت الابيض ومنه الى الكونغرس. بامكان البيت الابيض ان يرفض او يقبل. فرون شلايكر مثلا الذي كان قنصل عام القدس كتب مع العرب ضد اليهود خلال الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000 فسحبه البيت الابيض ورفض طلب الخارجية بايفاده الى تونس. هذه اللعبة المؤسساتية تحفظ للرئيس الاميركي حقه في حصة من السفراء يعينهم على هواه من بين اكبر المتبرعين له في حملته الانتخابية، ويختار لهم البلدان الصديقة العظمى كفرنسا وبريطانيا، او الآمنة كليا كالبهاماس وجامايكا وغيرها، على ان يكون نائب السفير في هذه البلدان هو السفير الفعلي واما الاول فـ «للبرستيج».
من النوادر ان يرسل الديبلوماسي نفسه اكثر من مرة سفيرا الى بلد معين. فهذا حصل مثلا مع راين كروكر الذي كان سفيرا في العراق ثم خدم في باكستان وافغانستان وتقاعد واعيد بعدها الى موقعه في العراق. تشرح الاوساط الديبلوماسية ان ذلك يعود الى النجاح الباهر الذي قد يسجله السفير في البلاد المنتدب اليها وايضا الى اجراءات معينة. فالتمديد لاي سفير يجب ان يرفق بطلب من الحكومة المنتدب السفير في بلادها.
«التمديد الديبلوماسي» حصل في لبنان مرتين على الاقل. ففي عام 1980 ارادت الخارجية ان تمدد لسفيرها في لبنان ريجي بارثلميو سنة واحدة. فتواصلت وزارة الخارجية الأميركية مع سفير لبنان في واشنطن آنذاك عبد الله بو حبيب للطلب من الحكومة اللبنانية ان تطلب هي التمديد، وهذا ما حصل فعلا. كما حصل ذلك في التمديد لجيفري فلتمان نزولا عند طلب الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة فبقي لغاية العام 2007.
ترجح الاوساط ان عدم السعي الى التمديد لهيل يعود الى «كون لبنان لم يملأ له وقته، فاختير له باكستان لصعوبتها ولتشعبات العلاقة مع افغانستان». يغادر الديبلوماسي من الخارجية الاميركية في حالات ثلاث: يستقيل اذا لم يجد عملا له، او تلبية لعرض مغر من خارج الوزارة او يتقاعد. علما ان البيت الابيض بامكانه ان يطلب ساعة يشاء ومن يشاء من الوزارة للانضمام اليه.