IMLebanon

فخامته باع لبنان ونفطه مقابل رفع العقوبات عن جبران 

 

في حديث صحافي جديد تناول مدير برنامج السّياسة العربية في معهد واشنطن لسياسات الشّرق الأدنى، المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركية لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر، خبر حصول  لقاء بين جبران باسيل وآموس هوكشتاين، تم خلاله إنجاز صفقة تنازل لبنان عن الخط 29 في مفاوضات الترسيم البحري مقابل رفع العقوبات الاميركية عن باسيل.

ولكن شينكر، بلغة ديبلوماسية منمقة، كشف ان هذه الصفقة قد تواجه تعقيدات أميركية تنسفها من اساسها، فهو يقول ان ملفّيْ «عقوبات باسيل» و»ترسيم الحدود البحريّة» غير مُترابطيْـن على الإطلاق، ويسأل: «كيف يُـمكن أن يكونا مُرتبطيْـن؟ إدراج باسيل على لوائح العقوبات هو بسبب فساده وليس بسبب الترسيم». ويضيف: «على الرّغم من أنّ باسيل قد يعرض خدماته في هذا الملف مُقابل رفعه عن لوائح العقوبات، إلّا أنّ هذا الأمر لا يصب حقيقة في محاربة الفساد، بل سيُشرّعه، ولهذا لا أعتقد أنّ هكذا صفقة قد تتمّ».

ما يعنينا بالدرجة الاولى التأكيد مرة جديدة ان الرئيس ميشال عون باع لبنان ونفطه وغازه كرمى لعيون الصهر، ومن أجل ضمان إعادته الى السباق الرئاسي بعدما خرج لسببين رئيسيين: الاول، سلوكه السياسي الذي استعدى كل الاطراف بمن فيهم الحلفاء، والثاني، فساده الذي جر عليه العقوبات الاميركية.

الغريب ان الرئيس عون الذي يشن الحملات الاعلامية على مدار الساعة بالحديث عن الفساد ونهب المال العام، ولا يتوقف عن المطالبة بالمحاسبة وبالتدقيق الجنائي، ويحرض على ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي حافظ على الاستقرار المالي طوال 27 عاماً، من دون ان ننسى الملايين التي هربها الجنرال بنفسه الى فرنسا، هذا الرئيس يتناسى كل ذلك، ويخوض بنفسه أكبر عملية فساد في تاريخ لبنان بالتخلي عن أهم ثروة قد يحصل عليها البلد، أي النفط والغاز، مقابل كرسي الرئاسة لصهره المدلل.

الحاكم سلامة لم ينتظر احداً ليقوم بعمله على اكمل وجه، فعمليات مصرف لبنان وحساباته شفافة، وهو يخضع سنوياً، مثله مثل كل المصارف المركزية في العالم، للتدقيق من قبل شركات دولية مختصة، كما ان سلامة نفسه، وعندما رأى الحملة السياسية عليه وعلى البنك، احضر شركتين عالميتين للتدقيق في هذه الحسابات، لتؤكد المؤكد وهو ان كل الاتهامات باطلة ومضللة.

اليوم يجتمع رئيس الجمهورية مع شركة التدقيق «الفاريز» ويعطيها توجيهاته، ويحق لنا أن نسأل هل صار عون خبيراً محاسبياً، ام انه يستفيد من تجاربه السابقة بتهريب الاموال العامة الى الخارج.

كما ان فخامة الرئيس لم يتوانَ في سبيل غايته الشخصية، وهو المؤتمن على الدستور والمؤسسات، عن استخدام كل الاسلحة، وعندما ترفض إحدى المؤسسات الانصياع لرغباته، مثلما فعلت مؤسسة قوى الامن الداخلي، فإنه يعمل على تحطيمها، بزجّها في صراع مع مؤسسات أمنية وقضائية أخرى. ويتناسى عون وفريقه ان هذه المؤسسة هي التي تحمي على مدار الساعة والايام من اخطار الارهاب والجريمة المنظمة. ونحن نحيله على تصريح دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري الامس.. عله يتعظ.

كذلك سخر فخامة الرئيس القضاء من اجل غايات شخصية، فهو يعطله بالامتناع عن إقرار التشكيلات التي وضعها مجلس القضاء الاعلى، وفقاً لمعايير الكفاءة والنزاهة، ثم يجعل «قاضية القصر» تخالف القوانين عشرات المرات في ملاحقاتها الدونكيشوتية.

ويبقى السؤال الاهم: هل ينجح المسعى العوني؟

بحسب شينكر فإن الامر غير مضمون، لأنّ ملفّيْ العقوبات والترسيم منفصلان اميركياً. ومهما حاول الرئيس وصهره، فينبغي عليهما دوماً الاثبات للرأي العام اللبناني اولاً، والاميركي والدولي تالياً، انهما غير فاسدين. وأياً كانت الصفقة التي يبحثان عنها فإنها ستصطدم بالكونغرس الاميركي الذي وضع قوانين مكافحة الفساد من اجل تطبيقها، وليس من اجل البيع والشراء في السياسة.

وبكلام آخر أوضح، فإن «العهد القوي» باع النفط والغاز مقابل أوهام رئاسية، وحرم لبنان حتى من حقه بالتفاوض على اساس القانون الدولي الذي يمنحه كامل ثروته البحرية. فتل أبيب تُريد أن تنتهي من مسألة ترسيم الحدود مع لبنان، كما يقول شينكر، لكنها لا شك ستستفيد من التراجع اللبناني ولن تتنازل بسهولة  لـمُجرّد الانتهاء من هذه القضيّة.

هذه الصفقة – الفضيحة تأتي بالتزامن مع تصعيد غير مسبوق للحزب العظيم في حروبه الكلامية وغير الكلامية ضد اسرائيل، وهنا يتعلق الامر بصفقة من نوع آخر، إذ بلع الحزب لسانه، ولم يعلق على تنازل عون وباسيل عن الخط 29، وفي الوقت نفسه أطلق حرب المسيّرات الاستعراضية فوق اسرائيل على وقع حماوة في مفاوضات ڤيينا النووية، التي اقتربت من لحظة الحسم.

هنا يعتقد جنرال بعبدا ان اللحظة مؤاتية لنيل مكاسبه الخاصة، ويبدو الحزب الذي لا يتحرك إلاّ بأوامر إيرانية، وكأنه يمرّر الكرة لحليفه، كي يبقى في الملعب على مسافة اشهر قليلة من نهاية العهد. ولكن هل تتطابق بالفعل رغبات الطرفين في إيصال باسيل الى بعبدا؟

الحزب العظيم يلعب الورقة العسكرية في لبنان لصالح طهران وحدها دون غيرها، ويغامر بتدمير البلد فوق رؤوس ساكنيه من اجل تحقيق هذا المكسب الاستراتيجي لإيران، وهو بالتأكيد لا يشغل باله بـحسابات جبران الصغيرة، فالمسألة أخطر من ذلك بكثير.

يؤكد شينكر في المقابلة نفسها «أن امتلاك حزب الله صواريخ دقيقة سيُفجّر حرباً بين لبنان وإسرائيل عاجلاً أم آجلاً». ويستبعد أن يكون توقيع الاتفاق النووي مانعاً للحرب، لأن اسرائيل لا يمكن أن تتسامح مع صواريخ دقيقة لدى حزب الله وإيران نوويّة في وقت واحد.

لقد سبق للرئيس عون أن قال بصراحة إننا ذاهبون الى جهنم. وهو اليوم، إذ يبيع ثروات لبنان، يرتكب أيضا ما هو أسوأ، عندما يغض الطرف عن تصعيد الحزب، متناسياً أنه رأس الدولة اللبنانية التي يجب ان تحتكر بيدها السلاح وقرار الحرب والسلم. ويبيح للحزب تنفيذ الخطط الايرانية تدمير البلد في اخطر مرحلة من حياته.