IMLebanon

«فجر الجرود» وساعات.. الحسم الأخير

في اليوم السادس للمعركة التي يخوضها الجيش في الجرود بالنيابة عن كل لبنان، ثمة أمور كثيرة ستتوضّح في المرحلة المقبلة، منها الآلية التي تعاطى بها الجيش مع هذه المعركة القاسية والإنجازات السريعة التي حقّقها في الميدان، بالإضافة إلى عامل التوقيت والذي تسبّب في فترة ما قبل إعلان بداية المعركة، بإشكاليات وتساؤلات ارتبطت بموعد «تأخيرها» في وقت كانت تؤكد فيه قيادة الجيش، أنها المعني الأوّل والأخير بهذا الأمر وبأن تحديد الزمان والمكان، هو شأن يخض القيادة العسكرية وحدها، وذلك بعد حصولها على دعم سياسي مُطلق وغير مشروط، وتأييد شعبي غير مسبوق.

اليوم، وبعد ستة أيام على بدايتها، تشهد معركة «فجر الجرود» ساعاتها الأخيرة بعد الانجازات والانتصارات التي حققها الجيش في مواجهة تنظيم «داعش» الذي كانت عناصره تُسيطر على مساحة واسعة من جرود القاع ورأس بعلبك، منذ ما يُقارب الأربع سنوات. ومع الساعات المتبقية، يدخل عامل الترقب والانتظار لما ستؤول اليه المعركة، وسط اعلان قيادة الجيش مواصلة الوحدات المقاتلة استعداداتها في الجرود تمهيداً لتنفيذ المرحلة الرابعة، في وقت تتابع فيه فرق الهندسة في الجيش عملها المعتاد منذ يومين، من شق طرقات ضمن النقاط المحررة، وفك الغام وعبوات كان زرعها «التنظيم» قبل انسحابه من مواقعه بالإضافة إلى تثبيت مواقعه المتقدمة وتعزيزها بما يتناسب مع طبيعة المعركة.

كانت قيادة الجيش على ثقة تامة وعلى دراية مُطلقة، بأن الوضع في الجرود لن يكون سهلاً، ولهذا لم تُفصح يومها عن توقيت الاعلان عن معركة «فجر الجرود». من المنطلق نفسه اليوم، ترفض تحديد عامل الوقت للإنتهاء منها. ومن هذين العاملين، يُمكن التأكد أن المعركة مُكملة في سيرها وإنه لا توقف على الإطلاق عن استهداف مواقع ونقاط عناصر «داعش» والزحف نحوها، إلا بعد استعادة آخر نقطة حدودية والقضاء على آخر إرهابي أو الاستسلام. واللافت في مسار الساعات الأولى للمعركة وحتى اليوم، كان التميّز في قدرة الجيش على السيطرة على مجموعة تلال كاشفة، مكّنت وحداته من توجيه ضربات قاسية جداً للإرهابيين، أدت إلى تفكيك دفاعاتهم وتضعضع قوتهم بشكل يفوق نسبة الـ80 في المئة. ومن دون ان ننسى، دقة العمل الذي قامت به وحدة الهندسة في الجيش من خلال تفكيكها الألغام والمفخخات من الطرق المؤدية إلى المواقع التي تم استرجاعها، والسرعة المميزة التي أنهت فيها عملها الشاق.

وعلى أبواب المرحلة الرابعة والحاسمة من عملية «فجر الجرود» والتي من المُرتقب أن تبدأ خلال اليومين المقبلين، أصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه أمس، بياناً جاء فيه: «تواصل وحدات الجيش استعداداتها القتالية واللوجستية في جرود رأس بعلبك والقاع، تمهيداً لتنفيذ المرحلة الرابعة من عملية «فجر الجرود»، فيما تقوم مدفعية الجيش وطائراته بقصف ما تبقى من مراكز الارهابيين واستهداف تجمعاتهم وتحركاتهم في وادي مرطبيا ومحيطه. كذلك تتابع الفرق المختصة في فوج الهندسة شق طرقات جديدة وتنظيف المناطق المحرّرة، وتفجير العبوات والأفخاخ والألغام والأجسام المشبوهة التي خلفها الارهابيون وراءهم».

كما نشرت مديرية التوجيه، شريطاً مصوّراً يُظهر آليات للجيش في الجرود، ترافق جرافات تقوم بشق وفتح الطرقات بالتزامن مع قيام وحدة الهندسة، بفك عبوات والغام من بعض النقاط التي انسحب منها عناصر «داعش»، بالإضافة إلى فتح ممرات للجنود. وكان لافتاً، مواصلة طائرات الاستطلاع التابعة للجيش ومدفعيته الثقيلة، استهداف الإرهابيين ومواقعهم لليوم السادس، وقد ظهر في الشريط، مشهد آليات تابعة لـ»التنظيم» وهي تُستهدف بشكل مباشر ودقيق، وقد شوهدت ألسنة النار تندلع منها.

والأبرز في الشريط المصوّر، مشهد يُظهر مجموعة من «داعش» وهي تقوم بسحب جثث عناصرها من الأرض ووضعها في سيارات مكشوفة، كما يظهر عنصر آخر وهو يحاول إنقاذ زميله وسحبه إلى منطقة «آمنة» بعد إصابته، لكنه في النهاية قرّر تركه على الأرض وفرّ مُسرعاً علّه يتمكن من النجاة بنفسه. وقيام عناصر من فوج الهندسة، بوضع إشارات في الجرود مع أسلاك شائكة، بهدف تأمين طرق آمنة للآليات والعناصر، وعدم سلوك طرقات خطرة مزروعة بالألغام والمتفجرات.

مصادر عسكرية أكدت لـ «المستقبل» أن الجيش جاهز بالمطلق للبدء بالمرحلة الرابعة من معركة «فجر الجرود» وقد وضع لهذا الغرض كافة وحداته القتالية واللوجستية قيد الاستنفار، حيث من المتوقع أن يبدأها بين لحظة وأخرى بروح قتالية عالية، تعكس الإنجازات التي حققها في الأيام الستة الأولى»، مشددة على أن التوقيت الفعلي للعملية هو بيد قيادة الجيش وحدها خصوصاً وأن عناصر «داعش» قامت بزرع قسم كبير من المساحات التي كان يُسيطر عليها التنظيم بالإلغام قبل إجبارها على الإنسحاب منها. ومع هذا، فان وحدات الجيش تراقب وترصد أي تحرك حيث تتم معالجته فوراً عبر ضربه واصابته بشكل مباشر».

من المعروف، أن رقعة العمليات في وادي «مرطبيا» حيث مسرح عملية «فجر الجرود» الأخير، تحتاج الى تكتيكات قتالية خاصة نظراً إلى الطبيعة الجغرافية الصعبة للارض بالإضافة إلى عمليات التدشيم والتحصين التي قام بها الإرهابيون لمواقعهم خصوصاً الأنفاق منها. كما يستمر «داعش»، بالتحكم بأعلى موقعين استراتيجيين في تلك المنطقة، ما يجعل لأي عملية تقدم محاذير كبيرة سواء لجهة العديد أو العتاد. ومن هنا، تؤكد المصادر أن الجيش اتخذ في تلك المنطقة اجراءات دفاعية لتأمين الجبهة من أي هجوم أو عمليات تسلل بانتظار اعلان ساعة الصفر لإنهاء المرحلة الرابعة من عملية «فجر الجرود».

أظهر الجيش من خلال معركته ضد تنظيم «داعش»، قوّة غير مسبوقة في تاريخ المؤسسة العسكرية في لبنان وتنسيق وتأييد سياسي حكومي، لم تُفلح الحكومات المتعاقبة لا في حشدهما ولا في توحيدهما. وعلى خط الواجب هذا، أخرج الجيش ما في جعبته من صلاحيات عسكرية ولوجستية، ووضعها إلى جانب دماء ضباطه وعناصره، على أرض حامية، تغلي بوجود الجماعات الإرهابية، فكان العزم على توحيد الكلمة والرؤية وليتولّد على أثرهما القرار العسكري الأشهر، «باسم لبنان والعسكريين المختطفين ودماء الشهداء الأبرار، وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم أطلق عملية فجر الجرود».

وإلحاقاً لبيانها الأوّل، أصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه بياناً ثانياً أوضحت فيه أن «قوى الجيش واصلت استهداف ما تبقى من مراكز تنظيم داعش الإرهابي في منطقة وادي مرطبيا ومحيطها، بالمدفعية الثقيلة والطائرات، حيث حقّقت إصاباتٍ مباشرة في مراكز الإرهابيين وآلياتهم وتجمعاتهم، ما أسفر عن تدمير الأماكن المستهدفة وسقوط عددٍ من القتلى والجرحى في صفوفهم». ثم أرفقته ليلاً ببيان جاء فيه: «استهدفت مدفعية الجيش سيارتين رباعيتيّ الدفع، تابعتين لتنظيم داعش الإرهابي في منطقة وادي مرطبيا، كانتا محملتين بكمية كبيرة من المتفجرات والذخائر، محقّقة فيهما إصابات مباشرة».

وفي سياق معركة «وإن عدتم عدنا» التي أطلقها «حزب الله» وحليفه النظام السوري بهدف «تحرير الجرود في القلمون الغربي» والتي كانت بدأت بالتزامن مع معركة «فجر الجرود»، فقد اعلنت وكالة «رويترز» أمس، أن «تنظيم داعش طلب من حزب الله والنظام السماح لعناصره بالانسحاب من الجرود في القلمون الغربي باتجاه دير الزور شرق سوريا». وفي السياق عينه، نقلت قناة «العربية» عن مسؤول عسكري سوري أن «اتفاقاً تم بين داعش وحزب الله على انسحاب التنظيم إلى دير الزور».