Site icon IMLebanon

«فجر الجرود».. وورود الانتصار

لم يعكس موعد اقتراب الإنتهاء من معركة «فجر الجرود» في يومها الرابع والتي أصبحت على مشارف المربع الأخير المتبقي لمكان تواجد عناصر تنظيم «داعش» ضمن الجرود اللبنانية، حرارة العمل الميداني الذي قام به الجيش أمس على أكثر من صعيد، سواء كان عسكرياً أو أمنياً أو لوجستياً. إذ لم يمر يوم أمس، من دون تسجيل إنجازات ميدانية للجيش وتكبيد «داعش» خسائر فادحة، جعلت جزءاً كبيراً من عناصره، ينكفئون نحو تحصينات كانوا شيّدوها طيلة فترة وجودهم هناك، وحيث سيواجهون فيها مصيرهم الأخير، إمّا بالموت أو بالإستسلام ، وذلك تبعاً لما ستكون عليه أوضاعهم، وليس رهناً بالأوامر التي قد تصدر عن قيادتهم.

فجر أمس، باشرت وحدات الجيش تنفيذ المرحلة الثالثة من عملية «فجر الجرود»، ولو بوتيرة وصفت بالهادئة إلى حدّ ما، نظراً لترتيبات ميدانية اقتضى القيام بها بين مرحلتي القضم السريع والتي كانت انتهت في الأيام الثلاثة الأولى، باسترجاع 80 كيلومتراً مربعاً، وبين التحضيرات لاستعادة الجزء الأخير من المساحة الاجمالية للاراضي التي أُضيف اليها أمس ما نسبته 20 كلم2 ولتُصبح المساحة المُتبقية تحت سيطرة الإرهابيين، فقط 20 كلم2 تقريباً من مُجمل المساحة التي تُقدر بنحو 120 كلم2.

من نافل القول، أن الجيش فاجأ القريب قبل البعيد، بالحِرفية العالية والقوّة المنيعة التي تمكن من خلالهما من حسم الجزء الأكبر من معركة «فجر الجرود» منذ الساعات الاولى للمعركة. فمن من قلب جرود رأس بعلبك والقاع وعرسال والفاكهة، ومن قلب دعوات كل أم وزوجة شهيد ومن دموع كل طفل فقد والداً أو شقيقاً في المؤسسة العسكرية ومن صفوف المدنيين العُزّل، تلوح بشائر النصر حاملة على جناحيها وروداً ملونة بطلاّت الصباح مفروشة بالعزة والكرامة وممهورة بدماء أبت إلا أن تُكمل طريق الوعر لتروي صحراء يبست تربتها بعد أن دنسها الإرهاب وحوّل زرعها وثمارها، إلى وقود بعد ان أحرقها بالنار والبارود.

وفي موجز لإنجازات الأمس، أصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه بياناً أكدت فيه أن «وحدات الجيش القتالية نفذت اعتباراً من فجر أمس، وتحت غطاء جوي ومدفعي مكثّف، المرحلة الثالثة من عملية (فجر الجرود) ضدّ ما تبقى من تنظيم داعش الإرهابي في جرود القاع، وذلك على محورين رئيسيين، حيث تمكنت في نهاية هذا النهار من تحقيق هدفها وهو إحكام السيطرة على كامل البقعة الشمالية لجبهة القتال حتى الحدود اللبنانية – السورية، والتي تضمّ: تلة خلف (1546)، رأس الكف (1643)، رأس ضليل الضمانة (1464)، قراني شعبات الإويشل (1500)، المدقر (1612)، مراح درب العرب (1400)، قراني خربة حورتة (1621)، مراح الدوار (1455)، الدكانة (1494)، وبذلك بلغت المساحة التي حرّرها الجيش بتاريخ اليوم حوالى 20 كلم2، وبالتالي بلغت المساحة المحرّرة منذ بدء معركة فجر الجرود وعمليات تضييق الطوق نحو 100 كلم2 من أصل 120 كلم2».

ولفتت إلى أنه «قد استشهد خلال العمليات العسكرية أحد العسكريين وأصيب أربعة آخرين نتيجة انفجار نسفية مفخخة، فيما أسفرت هذه العمليات عن تدمير 9 مراكز عائدة لهم، تحتوي على مغاور وأنفاق وخنادق اتصال وتحصينات وأسلحة وذخائر وأعتدة عسكرية مختلفة»، مشيرة إلى أن «الفرق المختصة في فوج الهندسة في الجيش، تواصل تفتيش البقع المحررة وتنظيفها من الألغام والنسفيات والأجسام المشبوهة، بالإضافة الى شق طرقات جديدة، فيما تستعد الوحدات القتالية لتنفيذ المرحلة المقبلة وفقاً للخطة المرسومة».

هو النصر المُرتجى المُكلّل بدماء الشهداء وأنين جرحى يتمنون في كل لحظة، العودة إلى الميدان ليستشهدوا فيه أو يُجرحوا مُجدداً وليُسطروا مع رفاقهم مُجدداً، ملاحم بطولية سوف ترويها الأجيال القادمة ضمن مشهدية يقول مطلعها (رجال الكرامة في لبنان، صادقوا وصدقوا وعد الوطن يوم دعاهم الواجب في الميدان). وعلى هذا الخط المُمتلئ بالتضحية والعنفوان، لا بد وأن تُقابل بتضحيات توازي حجم الإنتصارات، فكان أن نعت قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان «العريف الشهيد عباس كمال جعفر الذي استشهد فجر (أمس) في محلة وادي الخشن- جرود عرسال أثناء مشاركته في تفكيك نسفية مفخخة»، مشيرة إلى أنه «من مواليد 19/3/1983- صور، مددت خدماته كمجند في الجيش اعتباراً من 28/10/2008 ثم نقل الى الخدمة الفعلية بتاريخ 26/12/2009، حائز تنويه العماد قائد الجيش وتهنئته ثلاث مرّات، وتهنئة وزير الداخلية مرّة واحدة، متأهل من دون أولاد».

وفي بيان لاحق، لفتت مديرية التوجيه إلى أن «مراسم تكريم الشهيد ستجرى أمام المستشفى العسكري المركزي – بدارو بتاريخ 23/8/2017 عند الساعة 8.00، ثم ينقل إلى مدينة صور، حيث سيقام المأتم الساعة 15.00 في حسينية جامع جل البحر، ويوارى في الثرى في جبانة روضة الزهراء، وتقبل التعازي قبل الدفن وبعده لغاية الساعة 19.30، وبتواريخ 26،25،24 و27/8/2017 إبتداءً من الساعة 10.00 ولغاية الساعة 19.30 يومياً، في الحسينية المذكورة أعلاه». وكان منزل الشهيدين في الجيش الرقيب باسم موسى في برقايل وعثمان الشديد في الكويخات غصّا بالمعزين من شخصيات سياسية، أمنية، اقتصادية، دينية، اجتماعية ووفود شعبية.

ويُشهد لأرض المعركة ومنذ يومها الاوّل، أنها حملت الكثير من رسائل السلام والوفاء لشهداء من المؤسسة العسكرية ولضحايا الإرهاب في العالم. ويوم أمس، كان يوم وفاء للشهيد البطل العقيد نور الدين الجمل من خلال لافتة وجهت الى روحه كتب عليها: «تحية من جرود رأس بعلبك من معركة فجر الجرود إلى روح الشهيد البطل العقيد نور الدين الجمل».

وخلال مؤتمر صحافي أمس حول تطورات معركة «فجر الجرود»، أعلن مدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد علي قانصوه أن «وحدات الجيش اللبناني باشرت اعتبارا من فجر أمس، بتنفيذ المرحلة الثالثة من الهجوم ضد ما تبقى من تنظيم داعش الارهابي في جرود القاع، وذلك على محورين حيث تمكنت في نهاية هذا النهار من تحقيق هدفها وهو احكام السيطرة على كامل البقعة الشمالية لجبهة القتال حتى الحدود اللبنانية السورية. وتم تدمير جميع مراكز الارهابيين وتحصيناتهم واسلحتهم في هذه البقعة والقضاء على اعداد كبيرة منهم، فيما لاذ الباقون بالفرار الى خارج هذه المنطقة».

وأوضح أن «الانجازات الميدانية التي حققناها تتمثل بتدمير تسعة مراكز للارهابيين تحتوي على مغاور وأنفاق وخنادق اتصال وتحصينات واسلحة، اضافة الى ضبط كميات من الاسلحة والذخائر والمتفجرات. أما المساحة التي سيطر عليها الجيش نتيجة العمليات اليوم، فتبلغ حوالي 20 كلم2، فتصبح المساحة المحررة منذ بدء معركة «فجر الحدود» والعمليات التمهيدية حوالي 100 كلم2 من أصل 120 كلم2، ويبقى لدينا 20 كلم2 في منطقة وادي مرطبيا»، لافتاً إلى أن «فرق الهندسة قد عملت على شق الطرقات وازالة الالغام وفتح ثغرات، اضافة الى تفتيش البقع المحررة وتنظيفها من الالغام والاجسام المشبوهة. وتستعد الوحدات القتالية لمتابعة تنفيذ عملية (فجر الجرود) لانجازها في أسرع وقت ممكن».

وإذ شدد على «احترام القانون الدولي الانساني خلال القتال، وفق تعليمات قيادة الجيش»، أعلن «سقوط شهيد وأربعة جرحى نتيجة انفجار نسفية مفخخة بآلية عسكرية».

ثم عرضت صور عن الضربات الجوية ضد تنظيم «داعش» الارهابي ومخلفاته من اسلحة وألغام فردية وصواعق وقنابل. كما عرض فيلماً عن «الضربات الجوية لأوكار ومخابىء الارهابيين وللرمايات الأرضية أثناء الاعمال الهجومية، وللاشغال الهندسية، ولاستخدام المدفعية وطبيعة الارض، ولاستهداف مجموعات تنظيم داعش الارهابي ونقله قتلاه»، مشدداً على أن «مرتفع الكف هو من أهم المراكز التي سيطر عليها الجيش أمس واصعبها».

وفي حوار مع الصحافيين، أكد قانصوه أن «لا موقوفين او أسرى من داعش لدى الجيش، ولا معلومات حتى الآن عن العسكريين المخطوفين». وقال: «ليس هناك مدة زمنية معينة لانتهاء العملية العسكرية في الجرود، وعند الوصول إلى الحدود اللبنانية ـ السورية بحسب الخرائط الموجودة لدينا نتوقف»، مضيفاً: «اليوم دار قتال عنيف في منطقة الكف وسقط لداعش عدد كبير من القتلى. نحن لن نعرض صور الجثث التي لدينا ولن نوزعها احتراماً لقانون حقوق الانسان. ولا نملك رقماً دقيقاً لعدد مقاتلي تنظيم داعش بعد بدء العملية العسكرية نتيجة الفرار وسقوط قتلى».

وأكد أن «المجتمع الدولي يرحب بما يقوم به الجيش في معركته ضد الارهاب، لأن الجيش هو من يضمن عدم عودتهم الى الجرود»، وجزم بأن «الجيش لم ينسَ العسكريين المخطوفين فهم هاجس قيادته، واذا انتهت المعركة ولم يعرف شيء عنهم فحينها لكل حادث حديث».

كل الأبصار شاخصة صوبهم. هناك ركن من صلاة هذا العالم لا تُشبه لا في تراتيلها ولا في أذانها أي صلاة اخرى. هناك خلف تلك التلال المُشبعة بالدماء والمُمتلئة بالآلام والصعاب وقهر السنوات، كان الرجال الرجال على موعد مع الإنتصارات ورفع الرايات قابلتها الجماعات الارهابية بالهزائم والإنكسارات. انه «فجر الجرود» المُمتد على مساحة جزء من ضمير الوطن وتاريخه المُعمد بالدماء. وهو مقطوع على هامات ما عرفت جباهها يوماً الإنحناء، دكّت ذات «فجر» حصون وقلاع وكهوف وأنفاق الإرهابيين، وحوّلت لهيبه الصيفي، إلى أيام دافئة تعد بأيام صافية وآمنة يجتمع فيها اللبنانيون تحت علم واحد بألوانه الثلاثة.