مضت لليوم الثاني على التوالي عملية الجيش اللبناني ضد «داعش» في جرود راس بعلبك والقاع من الجانب اللبناني، بعنوان «فجر الجرود»، بالتزامن مع معركة الجيش السوري و»حزب الله» ضد «العدو نفسه» من المقلب السوري المحاذي للارض اللبنانية، بعنوان «ان عدتم عدنا»..
لا «فجر الجرود» جاء مفاجئاً، ولا «ان عدتم عدنا»، والعمليات العسكرية على «المقلبين» اللبناني والسوري، كانت متوقعة والاستعدادات لذلك كانت واضحة ولم تكن سرية، بقرار سياسي وطني جامع، وذلك على الرغم من ان «الساعة الصفر» بقيت في عهدة قائد الجيش العماد جوزف عون، معززاً بقرار مجلس الدفاع الأعلى والحكومة اللبنانية، وغالبية الافرقاء اللبنانيين الساحقة، الذين تحفظ عديدون منهم او اعترضوا، على امكانية التنسيق بين الجانبين اللبناني والسوري..
في قناعة عديدين، ان التوقيت في اطلاق «فجر الجرود» كما و»ان عدتم عدنا» لم يكن عبثياً، وهو ترك جملة أسئلة وتساؤلات حول جدية عدم التنسيق، حيث ان أحداً، لا يمكنه (من ناحية المبدأ) الاعتراض على «التنسيق العملاني والميداني» حيث «العدو واحد» و»الجبهة القتالية» واحدة وهي متداخلة الى حدود لا يمكن معها تجاهل تبعات أي «لا تنسيق»؟!
يتطلع اللبنانيون عموماً، الى ان يكون «فجر الجرود» فجر يوم جديد ومرحلة جديدة لهذا البلد الذي يعاني الأمرين، على صعيد العديد من الملفات الضاغطة معيشيا واقتصادياً وانمائيا بل أمنيا وحياتياً.. خصوصاً وأن عملية الجيش اللبناني لم تأتِ من فراغ، ولم تكن مجرد تسجيل موقف، وهو، أي الجيش، يستعيد دوره بوجود قرار سياسي جامع، على رغم الامكانات الضئيلة لديه.. وقيادته تدرك ان المعركة ليست سهلة، وليست فقط لاثبات الوجود فحسب، بل للتأكيد على دور المؤسسة العسكرية الوطني، وهي المؤسسة التي أظهرت أنها تسجد فعلاً، لا قولاً، وحدة القرار الوطني، الذي بغيابه، على مدى السنوات الماضية، ترك مضاعفات سلبية تجاوزت كل الاعتبارات والتوقعات.. ومع ذلك، فإن التباينات، في قراءة الواقع الميداني لازالت تتحكم بمواقف الافرقاء السياسيين الموزعين بين داع للتنسيق مع الجيش السوري ومعه «حزب الله» وآخرين وبين رافض..
لم يكن أمام المؤسسة العسكرية من خيارات، أقله في الاعلام، وفي مخاطبة الرأي العام في الداخل، كما وفي الخارج، سوى التأكيد على لسان مسؤولين عسكريين رسميين، ان قرار المعركة لبناني مئة في المئة، وان «لا تنسيق – لا مباشر ولا غير مباشر، مع الجيش السوري و»حزب الله» وذلك على الرغم من تأكيد العديد من الافرقاء ان «الارهاب لا يستهدف فريقا دون الآخر، ولا طائفة معينة او حزبا معينا دون غيرهما.. إنما يستهدف لبنان بأمنه واستقراره ووحدة مؤسساته.. وذلك في سياق «حرب كونية» أمدت هذا «الارهاب بكل عوامل الدعم والمساندة المالية والعسكرية والبشرية والاعلامية، ولم يعد لبنان، ولا أي بلد في العالم بعيداً عن استهداف هذا الارهاب، العابر لحدود الدول والقارات..
العالم كله في مواجهة مباشرة مع الارهاب المتنقل، والتنسيق الأمني بين سائر الدول وأجهزتها المختصة بات «ضرورة الضرورات»، حيث لم يعد بمقدور أي دولة ان تبقى متفرجة ومكتوفة اليدين.. وما قدمه لبنان في مواجهة الارهاب (تجربة «النصرة») كان كبيراً جداً بكل المقاييس والاعراف.. وعلى رغم الحديث العسكري عن غياب «التنسيق» فإن التوقيت في اطلاق المعركة بالغ الأهمية، خصوصاً وان «داعش» (على وجه التحديد) سجل تراجعات في غالبية المناطق التي كان يسيطر عليها ابتداءً من العراق وصولا الى سوريا ولبنان لاحقاً.
ان «فجر الجرد»، كما «ان عدتم عدنا تشكلان في المعايير العسكرية تكاملاً في أحكام الطوق حول «داعش» الوحيد المتبقي في الجبال والجرود المتداخلة، اللبنانية والسورية.. وأحكام الطوق من حوله، ومن جميع الاتجاهات يعجل في هزيمة هذا التنظيم الذي سيجد نفسه أمام خيارات محددة: الموت او الاستسلام او الرحيل، على رغم ان مسألة رحيل «داعش» مقفلة خلاف رحيل «النصرة» و»سرايا أهل الشام».. فمضى الجيش اللبناني في تقدمه والسيطرة على عدد من المرتفعات في جرود راس بعلبك (أمس)، وتدمير تحصينات هذا التنظيم الارهابي، فكراً وسلوكاً..
ومع ذلك، فلم تخل ردود الفعل والمواقف من تباينات، حيث ركز عديدون على ان الدور الحصري والشرعي في الدفاع عن أمن لبنان واللبنانيين وحماية استقرارهم، منوط بالمؤسسة العسكرية، من دون سواها، في اشارة واضحة الى رفض أي دور لـ»حزب الله» الذي يشارك من سوريا في الجبهة الشرقية المحاذية للحدود مع لبنان الجيش السوري في معركته لتحرير جرود القلمون من تنظيم «داعش» من دون تحديد أي افق لهذه المعركة..
في قناعة عديدين ان مسألة رفض «التنسيق» لم تأت من فراغ، وهي جزء من القطيعة السورية – اللبنانية التي يتمسك بها غير فريق سياسي، تجنباً لاعطاء أي «مشروعية» لنظام الحكم في سوريا.. ولم يكن من خيار لدى هؤلاء سوى التمسك برفض التنسيق، كما لم يكن من خيار لـ»حزب الله» وحلفائه سوى خيار إعادة الحياة الطبيعية للعلاقات اللبنانية – السورية.
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن الخلاصات النهائية لما ستؤول اليه معارك الجرود الشرقية، من الجانبين اللبناني والسوري.. لكن، وعلى ما تقول مصادر متابعة، فإن الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري يدركان تماماً مخاطر دفع البلد الى مزيد من السلبية والتشنج.. وقد أدرك الرئيس الحريري ان هناك من يسعى الى «احراجه بهدف اخراجه»، لكنه لن ينساق الى أي ردات فعل وهو ماضٍ في خيار ادارة الدولة بكل الاعتدال والحكمة والصبر الذي هو مفتاح الفرج..».