IMLebanon

يوم مجد لبنان هو الرابع عشر من آذار

«إن أدنى مراتب الجحيم مرصودة لمن يلتزمون الحياد في الأزمات ذات الطابع الأخلاقي» دانتي

لا عجب بأن يوم العار في الثامن من آذار أصبح يتيماً بسرعة مذهلة بعد أن تخلى عنه من صنعوه، فأصبح ذاك التاريخ كاللقيط بعد أن «نسي التاريخ أم أنسي ذكره» في كل إعلام الممانعة ليمر يوم الشؤم بصمت يشبه صمت القبور، وكأنه كان جريمة شنعاء أو فعلاً منافياً للحشمة يخجل منه فاعلوه ويتمنون أن يمحى من الذاكرة حتى لا يعيرون به.

كيف لا يخجل من نزل إلى الشارع في ذاك اليوم ليرفع آيات الشكر والتبريك لنظام نكل باللبنانيين لسنوات طويلة وجعل من وطنهم سجناً وقطع الأوصال وخرب المؤسسات وأثار النعرات والفتن وسجن خيرة الأحرار واغتالهم؟ 

كيف لا يخجل من نزل «ليقول شكراً لسوريا حافظ الأسد وشكراً لسوريا بشار الأسد» في وقت كانت تقطر يداهما بدماء اللبنانيين، وحناجر العبيد من تحته تهتف بطول عمر الطغاة وترفع آيات التبريك للجلادين وتمجد القتلة وناسجي الدسائس؟ 

كيف لا يشعر بالعار من أعمى بصائرنا لسنوات ببطولاته وصولاته وجولاته وعزته وكرامته عندما تحول في ذاك اليوم إلى مجرد ناظم للقصائد الركيكة في بلاط السلطان؟ 

يوم الثامن من آذار كان يوماً إرهابياً بكل ما للكلمة من معنى. هو يشبه بأهدافه يوم السابع من أيار ويوم القمصان السود، يوم لإرهاب الناس لثنيهم عن ممارسة حقهم بالثورة على جلاديهم وكسر الأغلال التي قيدتهم على مدى ثلاثة عقود، وثنيهم بالتالي عن السعي الى معرفة الحقيقة ورفع سيف العدالة في وجه قاتل متسلسل لم يوفر خيرة قادة لبنان ونخبه. لقد أراد أتباع الممانعة يومها أن يستعرضوا قوتهم أمام اللبنانيين وأمام المجتمع الدولي للإيحاء بأن زمام المبادرة ما زال في يدهم وبأنهم يملكون الشرعية الشعبية، مراهنين على ضعف عزيمة محبي الحياة، مهولين بالموت لرافضي الطغيان.

الرابع عشر من آذار كان يوم المجد لأنه أتى ليمحو عار الخضوع والذل والخوف، أتى كحلم سوريالي من عالم سحري من خارج الواقع، فاجأ حتى من صنعه وتعدى بمفاعيله حتى آمال أبطاله فتحول بعده من يوم الثامن من آذار «ذاكرة للنسيان«.

في ذلك اليوم أكد اللبنانيون قدرتهم على الإرتقاء بإنسانيتهم فوق صغائر الطائفية والتعصب، فتعرفوا على بعضهم وتعرفوا على ذاتهم، ووجدوا في داخل كل واحد منهم الإنسان الحر فعادوا وأشعلوا الأمل بعد أن حاولت إطفاءه صرخات عبدة الطغاة قبل ستة أيام.

لقد انتصرنا في 14 آذار على سنوات الهوان فطردنا من بلادنا القوة الغاشمة التي أثبتت تكراراً قدرتها على ارتكاب أبشع المجازر ضد من يعارضها أو ينتفض عليها، أو حتى لا يؤلهها. إنه اليوم اللبناني المجيد لأنه الثورة السلمية التي جمعت اللبنانيين لأول مرة خارج القيد الطائفي وأكدت لهم أن الوحدة في متناول اليد. وهو يوم مجيد لأن ثورة الحرية أعطت المثل والمثال لشعوب المنطقة ولكنها لم تجنح للعنف ولم تخرج عن الشرعية على الرغم من وحشية الثورة المضادة التي حصدت خيرة القادة والنخب على مدى السنوات العشر الأخيرة.

قد يكون من المنطقي اليوم أن نراجع المسار ونعاين مواقع الخطأ في سبيل إصلاحه، ولكن الوقت ليس لجلد الذات ولا لتقاذف المسؤوليات ولا لكيل الإتهامات، فما زلنا في قلب المعركة وما زلنا على صمودنا الذي دفعنا في سبيله خيرة ناسنا، ولم ننهزم ولم ننكس الأعلام ولو فعلنا لما كان اغتيل محمد شطح ولا كان آخرون في مواقع الخطر. لقد صمدنا في مواجهة قوة غاشمة وخبيثة وعالية التنظيم وذات امدادات لا تنضب ولديها بيئة حاضنة واسعة وامتدادات أوسع بكثير من مساحة ساحتنا التي لا تتعدى مساحة لبنان، ولولا صمودنا لكانت زرعت الرايات الصفراء على كل الساحات ولكنا اليوم تحت سلطة «مرشد جامع للشرائط» مقيم في طهران، أو ربما منتقل إلى بغداد بعد أن أعلنت عاصمة للإمبراطورية!.

وقد يكون من السهل اليوم القول ان الثامن والرابع عشر من آذار خربا لبنان، وهذا تصريح في منتهى السطحية أو تعبير عن حيادية فارغة بين شر مطلق وخير فيه بعض العلل، أو أنه تعبير عن جبن قائله في وجه جبروت القاتل والإرهابي لشدة تنظيمه وقدرته على التخطيط الدقيق لجرائمه.

لكن الفرق بين الإثنين واضح وضوح ما يفرق النور عن الظلمات والسلم عن الحرب والرفاه عن الفاقة، إنه الفرق بين من يعد بالصروح المشيدة ومن يعد بأطلال أبنية مدمرة، إنه الفرق بين من يعد الأبناء لدخول الجامعات ومن يعد قوافل الشهداء، إنه الفرق بين زغاريد الفرح ونواح الحزن، إنه حب الحياة الكريمة بدل الموت المجاني لحساب الطغاة وتأبيد حكمهم.

إن إنشاء المجلس الوطني لقوى الرابع عشر من آذار سيكون الفرصة اليوم للمستقلين لاستعادة دورهم في تصويب المسار وتحويل الندب إلى فعل وإجبار مكونات 14 آذار الحزبية على الوحدة في مشروع متكامل في الحكم والدستور والإقتصاد وفي رؤيا المستقبل من دون عقد أو هواجس أو شكوك مرضية بالآخر. لقد أثبتت السنوات العشر الماضية وجود كتلة جامعة من النخب المتحررة من عقد القيد الطائفي واضعة نصب أعينها ثقافة المنافسة الحرة والإبداع والكفاءة العابرة للطوائف في سبيل لبنان تعددي بأفراده وليس بطوائفه، لبنان متحرر من إقطاع سياسي وطائفي غارق بالفساد أوصله إلى حروب أهلية مستمرة منذ ما بعد الإستقلال إلى اليوم، وربما إلى الغد!.

إن هذه الكتلة لا يمكن إلا أن تكون في قلب الرابع عشر من آذار وعليها أن تأخذ دورها سريعاً داخل المجلس الوطني لتصبح ضمير ثورتنا وأملها في المستقبل، أما الإستقالة وكيل التهم فتعني حكماً سقوط البلد بالضربة القاضية.

() عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»