عادت ظاهرة المياومين إلى تصدّر المشهد. هذه المرّة هم مياومو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذين يعملون من خلال «عقود بالفاتورة» أو «عمال عتالة»، ويحمَّلون أعمالاً تقع على عاتق الموظفين في الملاك ومسؤولياتهم، فيما هناك من يرفض الاعتراف بهم كأُجراء، وهناك من يريد حصة فيهم!
«ظاهرة المياومين في الضمان الاجتماعي ستصبح مماثلة لظاهرة المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان. لا فرق كبيراً بين الاثنين سوى تسارع الأحداث في ملف الكهرباء، خلافاً لتباطؤ الأحداث في صندوق الضمان». بهذه العبارات يصف أحد مديري الصندوق ما يحصل اليوم في الضمان.
يؤكد أن «تنظيم» عمل المياومين في الصندوق بات حقّاً طبيعياً لهم، لكن لا ينبغي للأمر أن يكون عبر الزبائنية التي أوجدتهم أصلاً، بل عبر القنوات المؤسساتية والقانونية في الصندوق.
ما أعاد هذه القضية إلى الواجهة اليوم، أنّ إدارة الضمان اقترحت على مجلس الإدارة زيادة أجور «المياومين». وتزامن هذا الاقتراح مع صدور قرارات إدارية قضت بنقل بعض هؤلاء المياومين من مراكز عملهم ضمن الفئة السابعة (أي فئة الحجّاب والأشخاص الذين يقومون بأعمال العتالة وسواها) إلى أعمال تصنّف ضمن فئات أعلى (مثل تصفية الملفات وسواها من الأعمال الإدارية التي يتولاها مستخدمون من الفئات السادسة والخامسة)… فجأة بدأت الاتصالات تتوالى إلى صندوق الضمان من النائب نبيل نقولا المكلّف متابعة ملفات الصندوق من قبل التيار الوطني الحرّ، ومن مستشار وزير شؤون مكافحة الفساد نقولا التويني. لم يظهر بوضوح سبب اعتراض التويني ونقولا، لكنه اقترن بالمطالبة بحصّة «مسيحية» في المياومين، بحجة أن غالبية المستخدمين في الضمان بالمباريات أو بالعقود، هم من «الشيعة» المحسوبين على حركة أمل.
بالطبع، تداخل البعد الزبائني/الطائفي مع البعد الوظيفي/المؤسساتي لينتجا خلطة وقحة وبشعة في الصندوق، بين جهة مسيطرة ساعية إلى إحكام سيطرتها، وجهة ساعية إلى كسب حصّة ما في هذه الإدارة من رأسها (مجلس الإدارة) إلى أخمص قدمها (المياومين).
تشير المصادر المطلعة إلى أنه جرى التهديد بتحويل ملف زيادة أجور المياومين إلى فضيحة من أجل الحصول على حصّة في هذه الكعكة، ولا سيما أن فتح هذا الملف اليوم من الباب الفضائحي سيكون له أثر بتحريك انتخابات مجلس إدارة الضمان وتسريع بعض التعيينات فيه.
على أي حال، هناك روايتان لما يحصل في الصندوق. الأولى تقول إنّه أُوعِزَ إلى أحد المديرين بإصدار مناقلات تشمل عدداً من المياومين وتكليفهم رسمياً أعمال تصفية. في السابق، كان المياومون يكلَّفون أعمال التصفية من دون تكليف رسمي. والتكليف الرسمي يشمل إعطاء حامله رمزاً للعمل على جهاز الكومبيوتر، أي إن الشخص الذي يعمل في مجال التصفية يجب أن يكون مستخدماً في الملاك ليتحمل أي مسؤولية تنتج من التصفية الخاطئة التي تعدّ بمثابة إثبات الدين على الصندوق.
لكن الرواية الثانية تشير إلى أن هؤلاء المياومين أخضعوا، بفضل تقرير تمهيدي من المفتش أنس شبو، لقانون العمل، ما فرض على إدارة الضمان الاعتراف ببعض حقوقهم القانونية، إلا أن التقرير لم يتمكن من إخضاعهم لنظام مستخدمي الضمان، وأنه تحت ضغط الحاجة، اضطرت الإدارة في الصندوق إلى أن تعيّن بعض المياومين في مواقع التصفية، علماً بأن النظام في الضمان يجيز أن يكون هناك مصفّون من الفئة السادسة على الحدّ الأدنى، وهي الفئة التي يعمل ضمنها المياومون.
رغم ذلك، يبدو أن وجود المياومين في الضمان يتطلب تنظيمه على أسس مشروعة وواضحة، لا مواربة، من خلال توسيع توصيف عمل المياومين وترقية بعضهم وفتح الباب أمام إدخال مياومين في فئات ورُتَب أعلى… الحاجة لا تبرّر الوسيلة التي اتبعها الضمان لمعالجة عمل المياومين لديه وتنظيمه.
كان مجلس إدارة الضمان قد أقرّ نظاماً للمياومين، في أيام وزير العمل السابق، سجعان قزّي، الذي أحال الملف على مجلس شورى الدولة وأعاده إلى الضمان بعد أربعة أشهر، مرفقاً معه رفض مجلس الشورى لهذا النظام، لكونه يخالف المادة 54 من قانون الموازنة في 2004، التي تنص على أن «التعيين والتعاقد في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة (بينها الضمان) والمجالس والهيئات والصناديق العامة، باستثناء مصرف لبنان، يتم بموجب مباريات يجريها مجلس الخدمة المدنية وفقاً للشروط المطلوبة للتعيين أو الاستخدام». هذه المادة التي يخالفها نظام المياومين في الضمان كان القصد منها، في أيام الرئيس فؤاد السنيورة، التحكم بإجراءات التعيين والتعاقد، بهدف استكمال تفريغ القطاع العام من القوى العاملة النظامية، وتحويله تدريجاً إلى ملكية القطاع الخاص أو إدارته… على أي حال، رأى مجلس الإدارة أن نظام المياومين نافذ حكماً، لأن وزير العمل تجاوز مهلة الشهر المنصوص عليها في القانون لردّ النظام ومنع إصداره، وبالتالي بات نظام الموظفين موجوداً بحسب القانون.
هكذا تحوّل السجال من كيفية تنظيم عمل المياومين، إلى تنظيمهم بواسطة النظام المقرّ في مجلس الإدارة والمرفوض من مجلس شورى الدولة. إلا أنه في هذا الوقت، كانت الشواغر في الصندوق قد ارتفعت كثيراً رغم أن الضمان لجأ إلى عدد من المباريات لسدّ حاجته من المستخدمين، إلا أن وتيرة بلوغ السن كانت أكبر، ما أدّى إلى زيادة كبيرة في الشواغر بدأت تردم بالمتعاقدين وبعمال الفاتورة الذين ألقيت على عاتقهم أعمال لا تتناسب مع وضعهم الوظيفي ولا مع رواتبهم. وبالتالي لم يعد السجال يتعلق بكيفية معالجة الأزمة الناتجة من التحايل على المادة 54 والتعاقد مع مياومين على أساس «عمال فاتورة» أو «عمال عتالة» إلى وجوب تطبيق نظام المياومين، وحصص كل طرف فيه. كانت لدى قزّي مطالبات بتعيينات معينة في مكاتب في الضمان، وكانت لأطراف سياسية أخرى مطالب أيضاً باستخدام مياوم من هنا ومياوم من هناك، إلى أن ارتفع العدد إلى أكثر من 125 مياوماً، علماً بأن تقرير التفتيش التمهيدي المعدّ بناءً على شكوى، أظهر وجود 94 مياوماً قبل نحو سنة ونصف سنة.