في قراءة للمرحلة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية التي اجريت في المحافظات الثلاث، بيروت، والبقاع، وبعلبك – الهرمل، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية التي طبعت هذه الانتخابات التي كان يعتقد ان اللبنانيين ينتظرونها بشوق وتلهّف، تعويضاً عن حرمانهم من الانتخابات النيابية اولاً، وتجربة مفيدة وضرورية لانتخاب حكومات لامركزية مصغّرة، تأخذ على عاتقها رعاية مصالح المواطنين بعيداً من الحكومة المركزية السلحفاتية التي تذيق الناس الأمرّين وهم يسعون لتقطيع مصالحهم، لكن المفاجأة كانت بنسبة الاقبال الضعيفة التي سجّلت في العاصمة بيروت، وفي عدد كبير من البلديات في محافظتي البقاع وبعلبك – الهرمل، ما يؤشّر مع الأسف الى ان اللبنانيين في ظل هذه الطبقة السياسية الحاكمة والفاشلة في آن، «ينقّون» ويتذمرون، وعند الحاجة الى مواقفهم واصواتهم، يسترخون في فراشهم، او على كأس عرق وارجيلة على شاطى البحر او في مشوار صيد، مع ان الفرصة اعطيت لهم ليبدأوا التغيير الذي لطالما حلمواً به وطالبوا بتحقيقه ولكنهم اسقطوا هذه الفرصة بأيديهم في العديد من البلدات.
الملاحظة الثانية تتعلّق بانتخابات مدينة زحلة، التي ارادها حزبا القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، ان تكون مكان معمودية تحالفهما التاريخي بالشراكة مع حزب الكتائب، في وجه الاقطاع السياسي والمالي والتسلطّي، ولو لم تبذل هذه الاحزاب كل جهد ممكن لانجاح معركتها، لكانت خسرت هذه المواجهة، لأن هناك زحليين، فضّلوا الحياد القاتل، واللامبالاة المعيبة، وراحة الأحد، على كتابة مصيريهم لست سنوات مقبلة، خصوصاً ان لائحة الاحزاب كانت هدفاً مباشراً ومبيّتاً للسحق، وفي شكل خاص حزب القوات اللبنانية الرافعة الاقوى شعبياً، عن طريق المال والرشوة والضغوط والمجنّسين، وتحالف الاضداد، والمذهبية، لكسر ظهر لائحة الانماء، واعادة عقارب ساعة زحلة، عقوداً الى الوراء، لكن ارادة الزحليين كانت اقوى، ونجت مدينتهم من عهد مظلم لا حياة فيه، مع انه كان بامكان السيدة ميريام سكاف ان تكون ركناً قوياً ودائماً في هذا التحالف، لو تواضعت قليلاً وقبلت بأن تكون شريكاً كاملاً في تحالف عريض.
الملاحظة الثالثة تشير الى ان تفاهم القوات والتيار أثمر في بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك – الهرمل، نجاحاً مميّزاً في عدد لا يستهان به من البلديات، إن على صعيد الرؤساء أو الأعضاء، أو على صعيد المخاتير، على الرغم من خوضهما معارك منفصلة في وجه بعضهما البعض، مثل بلدتي القاع وصغبين، حيث نجحت القوات اللبنانية في القاع، وخسرت في صغبين لمصلحة التيار، دون ان يفسد اختلافهما، الودّ القائم بينهما.
الملاحظة الرابعة، ان اتمام هذه الجولة الاولى من الانتخابات دون وقوع احداث امنية تذكر، يسجّل في صفحة وزير الداخلية نهاد المشنوق على الرغم من الثغرات والاخطاء الكثيرة التي شابت هذه الجولة، مثل النقص الفادح لوجستياً، كالحبر والاقلام والمعازل، وعدم ختم ظروف الانتخاب، وقلّة خبرة عدد من الموظفين والتساهل المشبوه مع مندوبي بعض المرشحين، وعدم بذل جهود كافية لوقف اعمال الرشوة ومعاقبة اصحابها، وعدم الاهتمام برؤساء الاقلامو الكتبة ومعاملتهم احياناً بدونيّة، حتى ان الجمعية اللبنانية من اجل ديموقراطية الانتخابات، سجّلت 647 مخالفة في اليوم الانتخابي، واخذت على الوزير مشنوق «عدم جديته» بقمع هذه المخالفات.
الملاحظة الخامسة، من الانصاف ان نسجل للرئيس سعد الحريري حرصه وتعبه ونجاحه، في حماية المناصفة في بلدية بيروت، التي دار حولها الكثير من الشائعات التي كانت تهدف الى ضربها، في محاولة لضرب صيغة العيش المشترك، وتعريض بيروت العاصمة الى الانقسام.
الملاحظة السادسة والاخيرة، وهي موجهة الى المسؤولين والى القيادات السياسية، والى رؤساء البلديات، والناشطين في المجتمع المدني، وفحواها ان الفرصة اليوم متاحة لتعزيز البلديات وتحميلها مسؤوليات جديدة، تساهم في لم شمل ابنائها وتسهيل اعمالهم، وذلك يكون باعطاء الحق للبلديات عن طريق ربطها الكترونياً بالمراكز الاساسية، بإنجاز معاملات اخراج القيد والسجل العدلي، وغيرها من الخدمات التي تهم المواطنين، ويعانون كثيراً في مركزية هذه المعاملات، ويتكلفون اموالاً في سبيل الحصول عليها.
دعونا نحول هزائم البعض الى انتصارات يفيد منها الناس.