المشهد في خضم كلِّ معركة، وإثر كلِّ معركة، لا يتغيَّر:
أمّهات ثكالى تبكين أبناءها من شهداء الجيش اللبناني، زوجات وأولاد ينتحبون على فقدان عزيز، عائلات بأكملها تُفجَع بشهيد سطَّر أروع آيات البطولة سواء في عرسال أو في طرابلس أو في عبرا في شرق صيدا، أو في أيِّ منطقةٍ من مناطق لبنان يخوض فيها الجيش اللبناني مواجهةً مع الإرهاب ومع الخارجين على القانون.
المشهد هو إياه، ولكن إلى متى ستبقى هذه اللوحة السوداء ترتسم في الأذهان؟ وماذا عسانا نفعل حياله؟
إنَّ أقلَّ ما يمكن فعله هو تحية لهؤلاء الأبطال الذين لولاهم لَما كان أحد من السياسيين في مكانه، ولَما كان المواطن العادي يشعر بالإستقرار، ولَما كان الطالب يستطيع الوصول إلى مدرسته أو جامعته، ولَما كان الموظَّف يستطيع الوصول إلى مكتبه والعامل إلى مصنعه.
لولا الإستقرار الذي يؤمِّنه الجيش والقوى الأمنية لَما كان هناك مجالٌ للحديث عن أيِّ إستحقاق، لا دستوري ولا نيابي ولا حكومي ولا نقدي ولا مالي ولا أيِّ شيءٍ آخر.
من هذا الباب فإنَّ إنجاز الإستحقاقات الآتية يعود الفضل في الوصول إليها، إلى تلك المؤسسات التي توفِّر البيئة المناسبة لتمرير تلك الإستحقاقات.
***
لكن لا يقتصر الأمر على هذه المؤسسات وحدها، فثمة قيادات سياسية تعمل على إنجاز هذه الإستحقاقات، ولولاها لَما كان بالإمكان تحديد يوم الأربعاء المقبل موعداً للجلسة النيابية العامة للمجلس، والتي في خلالها سيتمُّ التمديد للنواب لسنتين وسبعة أشهر، وبهذا التمديد الثاني المعطوف على التمديد الأول، يكون السادة النواب قد نعموا بولايتين كاملتين مكتملتين الأولى إنتخاباً والثانية تمديداً.
إذاً التمديد سيمرُّ على رغم كلِّ الأصوات والصرخات التي سترتفع للتنديد به، فالمشكلة ليست في الخيار بين التمديد والإنتخابات بل بين التمديد والفراغ، فبديل التمديد ليس الإنتخابات، إذ كيف يمكن إجراؤها في ما تبقَّى من أيام لا تتجاوز الأسبوعين؟
وهذا التمديد محقَّق دستورياً وميثاقياً، فالكتل النيابية التي توفِّر أكثرية الثلثين، أي 86 نائباً، ستكون موجودة، ويتوافر فيها كل الطوائف والمذاهب المسيحية والإسلامية، بحيث لن تشعر أيُّ طائفةٍ بأنَّها مغبونة وبحيث ستكون الميثاقية حاضرة.
***
لكن السؤال: ماذا بعد التمديد؟
والسؤال الأكثر إيلاماً: ماذا عن إنتخابات رئاسة الجمهورية؟
بعد الأربعاء المقبل سيكون هناك تراخٍ نيابي، سيذهب النواب في استراحة بعد تمديد عمرهم النيابي لواحدٍ وثلاثين شهراً، ولكن هل يجوز هذا التراخي؟ وهل يمكن القبول به؟ وكيف بالإمكان مواجهته؟
هنا يأتي دور الشعب في خلق قوة ضغطٍ على ممثليه، ليكون الإستحقاق الثاني بعد التمديد هو إنتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية.
***
لكن مهلاً، هل يمكن أن تتحقَّق أعجوبةٌ سياسية الأربعاء المقبل؟
طالما أنَّ أكثرية الثلثين ستتأمَّن، وهي كافية لإنتخابِ رئيس للجمهورية، فهل يخرج من الجلسة دخان أبيض ودخان أسود: الأبيض في إنتخاب رئيس، والأسود في التمديد للمجلس؟
في هذا البلد كلُّ شيءٍ متوقَّع، ولكن هل هو زمن أعاجيب سياسية؟