Site icon IMLebanon

أيّام «عالميّة»!  

«أنا مدين لهذه المرأة لولاها ما تعلمت أن الحكمة في الصمت وأن السعادة في النوم» في معرض «الذمّ» قال «المعلّم والفيلسوف والحكيم سقراط عن زوجته، وظُلمت هذه المرأة عبر التاريخ إلى حدّ اعتبر البعض أن سقراط الفيلسوف كانت إحدى دوافعه لتجرّع السمّ هي زوجته، مع أنّها لم تكن تطلب منه أكثر من أن يكفّ عن التجوال في شوارع أثينا «مجادلاً» وأن يفتش عن عمل ليطعم أطفاله طعاماً غير الخبز والعدس!!

يحتفل المعلّمون اليوم بعيدهم، بعدما احتفل لبنان والعالم بالأمس بيوم المرأة العالمي، وما بين الاثنيْن قلوب اللبنانيين معلّقة ليس فقط على إقرار سلسلة الرتب والرواتب، بل على تاريخ بدء ظهور أثر هذه السلسلة في نهاية الشهر على أسباب معيشتهم، وأظن أن العقدة لن تكون في إقرارها بل في موعد تطبيقها..للمناسبة المتفائلين بالإقرار، نذكّرهم بأنّ السلسلة سبق ونالت «همروجة» أكثر من التي تحتشد في نشرات الأخبار هذه الأيام منذ حكومة «نجيب ميقاتي»…

علّم سقراط تلاميذه و»جوّع» أطفاله، جادلته زوجته في هؤلاء الشباب الأغنياء الذين يحضرون بيته يوماً، لماذا لا يتيحون له الوقت ليبحث عن عمل، المعلّمون بعد سقراط يلهثون خلف لقمة العيش ليؤمنوا لأطفالهم العيش الكريم، وحملنا المعلّمون أيام طفولتنا على ترداد «من علّمني حرفاً كنت له عبداً»، وتبارينا صغاراً في الجهر بأصواتنا نصدح بترديد أبيات مختارة من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي: «قم للمعلم وفِّه التبْجيلا/ كاد المعلم أن يكون رسولا/ أَعَلمتَ أشرف أو أجلَّ من الذي/ بيني وينشئ أنفساً وعقولا/ سبحانك اللهمَّ خير معلمٍ/ علمتَ بالقلم القرونَ الأولى»، هذه القصيدة العصماء والعظيمة الرائعة وهي من درر شاعر العرب الكبير احمد شوقي في حفل أقامه نادي مدرسة المعلمين العليا، ولم يقرر أيّ منهج تعليميّ في لبنان يوماً أنّ يعلّمنا يوماً قصيدة الشاعر ابراهيم طوقان عن المعلّم، مع أنّها التي تطابق واقع التعليم والمعلّم في العالم العربي منذ القرن الماضي على الأقلّ…

عندما عارض طوقان قصيدة شوقي وضع إصبعه على الجرح «شَوْقِي يَقُولُ وَمَا دَرَى بِمُصِيبَتِي/ قُمْ لِلْمُعَلِّـمِ وَفِّـهِ التَّبْجِيــلا/ اقْعُدْ  فَدَيْتُكَ هَلْ  يَكُونُ  مُبَجَّلاً / مَنْ كَانِ  لِلْنَشْءِ الصِّغَارِ خَلِيلا/ وَيَكَادُ   يَفْلِقُنِي الأَمِيرُ بِقَوْلِـهِ/ كَادَ الْمُعَلِّمُ  أَنْ  يَكُونَ  رَسُولا/ لَوْ  جَرَّبَ  التَّعْلِيمَ  شَوْقِي  سَاعَةً/ لَقَضَى  الْحَيَاةَ  شَقَاوَةً  وَخُمُولا/ حَسْب  الْمُعَلِّم  غُمَّـةً  وَكَآبَـةً/ مَرْأَى  الدَّفَاتِرِ بُكْـرَةً وَأَصِيلا/ مِئَـةٌ عَلَى مِئَةٍ إِذَا هِيَ صُلِّحَتْ/ وَجَدَ العَمَى نَحْوَ الْعُيُونِ سَبِيلا/ وَلَوْ  أَنَّ في التَّصْلِيحِ نَفْعَاً يُرْتَجَى/ وَأَبِيكَ لَمْ  أَكُ  بِالْعُيُون  بَخِيلا/ لَكِنْ  أُصَلِّحُ غَلْطَـةً  نَحَوِيَّـةً/ مَثَـلاً وَاتَّخِذ الكِتَابَ دَلِيلا/ مُسْتَشْهِدَاً بِالْغُـرِّ مِنْ آيَاتِـهِ/ أَوْ  بِالحدِيثِ مُفَصّلا تَفْصِيلا/ وَأَغُوصُ في الشِّعْرِ الْقَدِيمِ فَأَنْتَقِي/ مَا  لَيْسَ  مُلْتَبِسَاً وَلاَ  مَبْذُولا/ وَأَكَادُ  أَبْعَثُ  سِيبَوَيْهِ مِنَ الْبلَى/ وَذَويِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الأُولَى/ فَأَرَى  (حِمَارَاً ) بَعْدَ ذَلِكَ كُلّه/ رَفَعَ الْمُضَافَ  إِلَيْهِ وَالْمَفْعُولا/ لاَ تَعْجَبُوا إِنْ صِحْتُ يَوْمَاً صَيْحَةً/ وَوَقَعْتُ مَا بَيْنَ الْبُنُوكِ قَتِيلا/ يَا مَنْ يُرِيدُ الانْتِحَارَ وَجَدْتـهُ/ إِنَّ الْمُعَلِّمَ لاَ   يَعِيشُ طَويلا»…

في ديوانه «الشوقيات، الجزء الأول صفحة 180» وفي قصيدته التي حملت عنوان «العلم والتعليم وواجب المعلم»، أخفى المؤلفون جزءاً مهمّاً من قصيدة شوقي ربما عمداً، إذ كان شوقي نعى  التعليم منذ قرن، فماذا نقول نحن اليوم عن أزمة فكّ الارتباط بين التربية والتعليم، وعن المناهج التي تمّ إفراغها من مضمونها، وما الذي ينتظر الأجيال اللاحقة من الجهل في زمن «كبسة زرّ»، نعى شوقي التعليم وهذه هي الحقيقة «يا أرضُ مذ فقد المعلم نفسه/ بين الشموس وبين شرقك حيلا/ذهبَ الذين حَمَوا حقيقةَ عِلمهم/ واستعذبوا فيها العذابَ وبيلا/ في عالم صحب الحياة مقيّدا/ بالفرد مخزوماً به مغلولا/ صرعَتْه دنيا المستبدِّ كما هوتْ/ من ضربة الشمس الرؤوسَ ذهولا/ إن الشجاعة في القلوب كثيرةٌ/ ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا/ إن الذي خلق الحقيقة عَلْقماً/ لم يُخْلِ من أهل الحقيقة جيلا»!