في خضم الأحداث التاريخية غير المسبوقة التي مرّت على لبنان طوال ثلاثة عشر يوما سلفت، برزت على وجه الخصوص، جملة من الأحداث والتواريخ المعبرة، أهمها، تلك الإنتفاضة التي طرأت على البلاد وتمثلت فيها غالبية الشعب اللبناني، متحدة في مواقفها، متنازلة عن انتماءاتها الطائفية ومتبرئة من أية علاقة لها بالأحزاب والتقوقعات المناطقية، ومتمترسة بكثير من الفخر والقناعة بشعائرها الوطنية وفي طليعتها العلم اللبناني، الذي كان رمزها الوحيد الذي رفعته في مظاهراتها واعتصاماتها في الساحات الصاخبة بجموعها ومطالبها ومشاعر الغضب والألم التي فجّرتها سياسات بعيدة عن المسؤولية والتصويب الحقيقي على المشاكل والمعضلات الحقيقية والتلهي بسياسات فرض ضرائب عشوائية تمثلت بمشروع الضريبة التي فجرت الوضع الإجتماعي والسياسي بأسره (الضريبة على خدمة الوتساب) وقبلها الضريبة النكتة على الأركيلة، إضافة إلى جملة من الضرائب التي تطاول جموع المواطنين المهرولين وراء لقمة العيش وسرير المستشفى وتأمين أقساط المدارس وأماكن باتت غير متوفرة حتى في المدارس الرسمية، وتتناسى مكامن الأموال المختبئة والمتمترسة لدى بعض الساسة وأهل النفوذ، وفي مكامن النهب والنصب الحقيقية.
وبعد جهد جهيد من رئيس الحكومة لتصويب مسيرة الحكم بجملة من الإصلاحات التي تضمنتها ورقته الإصلاحية دون أن تلقى تفهماً من جموع المنتفضين والرافضين، وبعد رفض من العهد لأية حكومة لا يكون في طليعة أعضائها الوزير جبران باسيل، صاحب اليد الطولى في اختلاق المشاكل والتحديات لهذا العهد المأزوم، ولهذا الشعب المنتفض بآلامه ومتاعبه وبعد عمليات الإقتحام المؤسفة التي تمت في ساحتي رياض الصلح والشهداء والأماكن القريبة منهما، وبعد عمليات الضرب والإيذاء وتكسير الخيم وإحراقها التي قلبت المواقع السلمية إلى ساحات عدوانية تزخر بالشعارات الطائفية البغيضة المناقضة تماما لشعارات الإنتفاضة الشعبية الرافعة للأعلام اللبنانية وشعارات الوحدة الوطنية، والمجابهة للمهاجمين بصيحات: سلمية سلمية، لم يعد بإمكان الرئيس الحريري إلاّ الرضوخ لإرادة الثوار المنتفضين على الحكم والحكام وعلى لاءات مصحوبة بأصبع تهديدي مرفوع من قبل سماحة السيد مهددة به كل موقف وكل رافض لبقاء الحكومة ولمسيرة العهد، ولأي تغيير حكومي يطاول هذه الحكومة الصمّاء والعرجاء، بعد ذلك كله، إضطر الرئيس الحريري لتقديم استقالته فتقبلتها جموع الثوار واعتبرتها خطوة أولى من خطى طريق طويل يصب في النتيجة في ساحات الحلول المرجوة للوضع الكارثي الذي تمر به البلاد حاليا، خاصة على الصعيد الإقتصادي والمالي بما يهدد سلامة الأوضاع العامة وركائز البلاد الأساسية بأفدح الأضرار والأخطار في وقت نحن بأحوج ما نكون فيه لتصويب المسيرة الإقتصادية والمالية فضلا عن السياسية والإجتماعية بما يجنبها ويجنب البلاد والعباد جملة من الإنهيارات المأساوية المحتملة.
نضيف مستجداً آخر: تصادف اليوم مناسبة دخول العهد والرئيس عون والتيار الوطني الحر، العام الثالث من توليهم السلطة في البلاد وكانت الراية الأساسية التي رفعوها منذ ذلك الوقت، هي راية التغيير والإصلاح ومع وعود بإغراق لبنان من خلالها بالأمن والأمان والإستقرار والتقدم وبالمن والسلوى وأمام هذه المناسبة، لا بد لنا من التساؤل عما حققوه في هذا المجال، وما هي معالم الإصلاح وما هي وقائع التغيير التي أنجزوها لهذا البلد الذي لم يعرف طوال السنوات الثلاث التي مرّت، إلاّ صنوفاً من التدهور والخراب المستمر، وصولا إلى الحالة المأساوية التي توجت بهذه الثورة العارمة لأغلبية الشعب اللبناني الذي طاولته شتى صنوف المصاعب والمتاعب وصولا بها إلى حالات الجوع والبطالة والتراجع المعيشي الكاسح، ونكتفي في هذه الذكرى بالإشارة إليها دون الإغراق في تناول أسبابها ونتائجها ومآسيها، لحرصنا الشديد على إطفاء الحرائق التي تتناول البلاد والعباد في هذه الأيام قاتمة السواد وغائمة الأفق، إنها إشارة للذكر والذكرى علّها تنفع المؤمنين بلبنان وبوجوب إنهاضه من كبواته الكارثية التي استفحلت وطالت سنواتها، وقليل من المعالم ينبؤنا بأننا سننهض منها على خير وسلامة، بينما أكثر ما في أفق الأحداث المرتقبة، يشدّ بنا إلى مواقع التدهور المتفاقم، ولا بدّ لنا أخيرا من أن نردد مع الرئيس سعد الحريري وقبله مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري: وقى الله لبنان.