مع ان العارفين بالشأن السوري ومتابعيه عن كثب يدركون ان الجهود الاخيرة لوسيط الامم المتحدة في سوريا ستيفان دو ميستورا ان من خلال اتصالات مباشرة او غير مباشرة ليست حاسمة في اتجاه احتمال تحريك حل ما في المدى المنظور، فان كثافة الاتصالات والمساعي التي أجراها تركت المجال واسعاً امام اعتقاد كثر ان شيئاً قد يكون يطبخ في ضوء بعض المؤشرات خصوصاً في ضوء بعض المواقف الاميركية ومن بينها في شكل اساسي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاميركية جون كيري الى سوتشي للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف. الا ان خلاصة العرض الذي قدمه الى مجلس الامن يوم الاربعاء في 29 الحالي لنتائج اشهر من المشاورات مع الأفرقاء السياسيين في الازمة السورية بينهم عدد من دول المنطقة اظهرت على نحو واضح انه لم يتحقق الشيء الكثير. ولم يعقب جلسة مجلس الامن اي بيان صحافي او اعلامي يدعم جهود دو ميستورا. والمطلعون على جهود الديبلوماسي الاممي يقولون انه استطاع التعافي من فشل اقتراحه “حلب أولاً” الذي لم يحقق اي نجاح كما استطاع بصعوبة كسب ثقة المعارضة السورية بعد اتهامات سيقت ضده بمحاباة النظام ومسايرته في الوقت الذي حاول السير على خيط رفيع من اجل الاستمرار في التواصل مع النظام الذي اعترض على دو ميستورا للقائه زعماء وسياسيين لبنانيين في عبوره بيروت في الطريق الى دمشق.
والعارفون بالشأن السوري يدركون كما تقول مصادر ديبلوماسية ان الأمر لا يتصل بنهاية الأمر بمجلس الأمن او بجهود دو ميستورا بل بما يمكن ان يجري من اتصالات بين الولايات المتحدة وروسيا على هذا الصعيد. وبالنسبة الى هذه المصادر فانه من غير المحتمل ان يكون الرئيس الأميركي باراك اوباما في وارد اي جهد يحرك الوضع السوري في المهلة الفاصلة عن نهاية ولايته الثانية اي ما يقارب سنة ونصف سنة تقريباً على رغم ما يعتقده البعض من توافر الوقت والفرصة له لو أراد للاهتمام بهذا الملف او وضعه على السكة. ويسود انطباع لدى المصادر الديبلوماسية المعنية ان الرئيس الاميركي لم يرغب من الاساس الانخراط في الازمة السورية بأي طريقة فاعلة وهو لن يفعل قبل انتهاء ولايته. وبحسب المعطيات لدى هذه المصادر فان الاولوية الاميركية وفق ما بات معروفاً هي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية، وهي اولوية باتت تتشارك فيها مع مجموعة اخرى من الدول وفي مقدمها روسيا التي باتت تدفع بدورها في اتجاه تحالف دول اقليمية لمواجهة هذا التنظيم على رغم وجود تحالف دولي اقليمي لهذه الغاية انما من دون التنسيق مع النظام السوري وفق ما ترغب روسيا ومن دون ايران ايضاً حتى الان في حين باتت الدول الاقليمية والغربية تتعايش مع فكرة تجمع بين عنصرين متضاربين. وهذه الفكرة هي بقاء النظام في موقعه راهناً في ظل غياب الحلول او امكاناتها او الجهود الجدية التي يمكن ان تؤول اليها كما في ظل عدم توافر الظروف لها الى جانب اولوية مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بالتزامن مع التسليم ضمناً وصراحة باستحالة بقائه في موقعه في زمن الحلول متى آن اوانها الفعلي اي متى وضعت آلية المرحلة الانتقالية ولو بقي الاسد فترة بضعة اشهر حتى تسلك طريقها الى التنفيذ . لذلك لم يعد من حاجة الى العزف على هذا الوتر في حين ان المواقف على حالها من دون ان ينفي ذلك الرهان الابدي للنظام بان الوقت سيكون الى جانبه تماماً كما هي حال ايران التي امنت للنظام خط ائتمان قيمته بليون دولار بعد يومين على اقرار مجلس الامن الاتفاق النووي آلية رفع العقوبات عن طهران وكما هي حال روسيا التي صوتت ضد بيان لمجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة في 2 من الشهر الحالي يدين آلية استخدام العنف الذي يعتمدها النظام.
والى الاقتناع بأن اوباما لن يكون في وارد التحرك جدياً من اجل حل الأزمة السورية، فان ثمة شروطاً اخرى غير متوافرة قد يكون ابرزها استمرار العلاقات الاميركية الروسية على تباعدها على رغم تبادل الود الديبلوماسي في مسألة التعاون لانجاز الاتفاق حول النووي الايراني. كما ان موضوع العلاقات بين الدول الاقليمية غير مبشر او مشجع بالتزامن مع اولويات تتقدم حتى على الازمة السورية على رغم مأساويتها التي لا تقارن في النزف اليومي للسوريين. اذ يتقدم موضوعا اليمن والعراق على سوريا نسبة لأهمية كل منهما بالنسبة الى المملكة العربية السعودية وايران. وعلى رغم الاعتقاد الذي يشيعه استتباب الوضع في العراق للتعاون بين الولايات المتحدة وايران على خلفية تقاطع مصلحة كل منهما في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية ومحاولة تحرير بعض المدن العراقية من سيطرته، الا ان معالجة الوضع العراقي لا يمكن ان تستوي من دون توافق اقليمي واستيعاب للسنة العراقيين على قاعدة الاقرار بحقوقهم ومطالبهم فيما الحكومة العراقية الراهنة لا تزال تتخبط في عدم قدرتها على التزام ما وعدت به.
هذا لا ينفي ان عناصر جديدة تترك انعكاسات على مجمل المشهد الاقليمي المتصل بالازمة السورية على غرار الاتفاق النووي ومفاعيله الكبيرة او حتى الاتفاق الاميركي التركي على مواجهة داعش في سوريا، لكن قرار تركيا مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية وتنازلها عن شرط مواجهة النظام السوري في الوقت نفسه، يساهم في تعزيز الواقع القائم حتى اشعار آخر.