IMLebanon

معادلة دي ميستورا ورهان بوتين

 

الجولة الثامنة من محادثات جنيف السوري انتهت كما بدأت: تمارين في العبث. لا مفاوضات مباشرة يسعى لها الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا ويطالب بها وفد المعارضة الموحّد ويرفضها وفد النظام. ولا المحادثات غير المباشرة عبر الوسيط الدولي يتم فيها نقاش متبادل في عمق قضايا التسوية. مجرد استهلاك للوقت ضمن تاكتيك التركيز على المسائل الاجرائية للهرب من البحث في القضايا الجوهرية. وهذا انعكاس للتناقض بين منطقين: منطق المعارضة الذي عنوانه الانتقال السياسي كأولوية تفرضها قرارات الشرعية الدولية وحقوق المواطنين وطموحاتهم والتضحيات. ومنطق النظام القائل ان الكلمة للميدان وان التسوية تكون على صورة المتغيرات العسكرية والسياسية على الأرض.

والظاهر ان دي ميستورا يقترب أخيرا من اليأس. ولم يبق أمامه سوى حبل وحيد يتعلق به لإنجاح مهمته أو للحفاظ على دوره هو الدور الروسي. فهو يستنجد بالرئيس فلاديمير بوتين لدفع دمشق الى قبول المفاوضات المباشرة والبحث في دستور جديد وانتخابات جديدة. وهو يحذر من مضاعفات الفشل في التوصل سريعا الى تسوية واضعا معادلة دراماتيكية: سلام سريع أو تفكك سوريا. والمجال ضيّق جدا للشك في أن يكون الحبل الروسي مثل حبال الهواء الأميركية والاقليمية التي تعلق بها دي ميستورا. لكن المؤكد ان موسكو تدير اللعبة بمزيج من الغموض والوضوح.

 

وشيء من الانفراد وشيء من مشاركة الآخرين.

ذلك ان بوتين الذي يستعجل التوصل الى تسوية سياسية يقول ان ظروفها متوافرة يختلف عن دي ميستورا في النظرة الى المشهد. فلا هو يرى أي احتمال لتفكك سوريا. ولا وقوفه في قاعدة حميميم الجوية واعلانه ان المهمة أُنجزت سوى تأكيد على أنه يقف على أرض صلبة ويضمن وحدة سوريا التي ستبقى قواته في قواعدها هناك لنصف قرن قابل للتمديد. لكن رهانهم هو على صنع التسوية السياسية بشروط الغلبة الروسية، لا غلبة أي لاعب اقليمي أو محلّي. واللعبة الفعلية في مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري. أما عملية جنيف، فانها شكلية ودورها إعطاء ما سمّاه بوتين الطابع الرسمي للتسوية في النهاية.

ولم يكن صعبا على الجميع قراءة ما بين السطور في الرسالة التي بعث بها بوتين من حميميم الى أكثر من عنوان: الحرب الأساسية انتهت. لا فرصة لإكمال الخيار العسكري من أجل ما دعت اليه طهران وهو تحرير الرقة وسواها من المعارضين المدعومين أميركيا، ولا فسحة طويلة للمماطلة في التسوية. أما تبادل الانتقادات والاتهامات بين واشنطن وموسكو حول توظيف داعش والحرب عليه، فانه فصل في لعبة التفاهم على التسوية.