متسلحا ببيان رئاسي بشأن سوريا صادر عن مجلس الامن الدولي هو الاول من نوعه، يكثف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تحركاته بين ممثلي النظام والمعارضة والدول المؤثرة سعيا لبلورة ملامح صورة «حل سياسي«، يتمسك بانجازه، لمعضلة ناهز عمرها الاربع سنوات ونصف السنة مخضبة بدماء مئات الآلاف، وذلك في غياب اي مؤشرات توحي باحتمال نجاحه في تحقيق اهدافه.
فقد حطّ المبعوث الدولي بالامس في دمشق للتشاور مع مسؤوليها، بعد اجتماعه في بيروت بمساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان، والذي اعقب لقاءاته مع ممثلين للمعارضة السورية تزامنت هي الاخرى مع اجتماعات بفصائل اخرى معارضة تشهدها موسكو.
لكن كل هذا الحراك يبقى في اطار «تقطيع الوقت والزمن الضائع» بانتظار ان تبدأ المعطيات الاقليمية بالتبلور بعد ان يعبر الاتفاق النووي الايراني مع الغرب محطة الكونغرس الاميركي وفق ديبلوماسي لبناني سابق. فطهران ستبقى ممسكة بقوة بكل اوراقها بانتظار هذه «المحطة الحاسمة»، مهما اشتدت رغبة حليفتها روسيا في انجاز ما، خصوصا بعد مؤشرات توحي بان الولايات المتحدة تبدو وكأنها فوضتها بإيجاد الحلّ اثر تقدم مشكلة الارهاب الداعشي لتحتل اولويات كل القوى على اختلاف توجهاتها.
فقبيل وصول دي ميستورا الى المنطقة جرى توزيع ملخص عن مضمون لقاءات احزاب وشخصيات لبنانية موالية لطهران اوضح خلالها اللهيان ان بلاده نجحت في حصر المفاوضات مع الغرب في نطاق الملف النووي رغم محاولات اميركية فاشلة لادراج ازمات المنطقة معه.
صحيح ان مجلس الامن نجح منتصف الشهر الماضي، وللمرة الاولى منذ اكثر من عامين، بالتوصل الى بيان رئاسي حول سوريا يدعم الخطة التي تصورها دي ميستورا للحل. لكن العلّة لا تكمن في كون البيان الرئاسي غير ملزم اسوة بالقرارات خصوصا تلك التي تصدر تحت الفصل السابع ،انما في كونه يدعم خطة لا تبشر بنودها باحتمال انجاز ما يسمى «حلا سياسيا».
ويلفت المصدر الى ان الاطراف المعنية، سواء النظام او فصائل المعارضة، تلقفتها بحذر خصوصا في ما يتعلق باضافة طرف ثالث اطلق عليه «المجتمع المدني». ومن المفترض ان تنطلق منتصف الجاري عبر تشكيل اربعة فرق عمل تتعلق بـ«السلامة والحماية، مكافحة الارهاب، القضايا السياسية والقانونية، واعادة الاعمار»، فيما تتطابق رؤيتها السياسية مع رؤية بيان جنيف واحد (2012) من حيث تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات مع تغييب اي توضيح لموقع بشار الاسد في الفترة الانتقالية.
ومن ابرز مؤشرات التشاؤم استمرار الخلاف الاميركي – الروسي على مصير الاسد رغم ما يشبه التفويض الاميركي لموسكو بالعمل على حل الازمة السورية. فقد جدد الطرف الروسي امس بلسان وزير خارجيته سيرغي لافروف الحديث عن شرعية الاسد وعن اهلية الجيش السوري النظامي في مكافحة الارهاب، فيما كان الرئيس الاميركي باراك اوباما قد تحدث سابقا عن تغير ايراني وروسي في الموقف من الاسد. ولا يتوقع المصدر ان تؤدي الضغوط الاوروبية للاسراع في التوصل الى حل يساعدها على مواجهة ازمة اللجوء، الاكبر منذ الحرب العالمية الثانية وفق الامم المتحدة، خصوصا وانها تضعها بين مطرقة التزاماتها بحقوق الانسان وسندان الحفاظ على استقرار مجتمعاتها.
ويتساءل المصدر عن مغزى التسريبات الاعلامية، ومنها ما اوردته صحيفة «يديعوت احرنوت«، عن استعدادات روسية عسكرية للانخراط المباشر في حرب سوريا بما يعني تقدماً ما على صعيد اعتماد حل عسكري، بينما درجت روسيا على التمسك العلني بالحل السياسي. ويقول هل يعني ذلك تغييرا ما جذريا في الموقف الروسي اثر قناعة تولدت لدى مسؤوليها باستحالة الحل السياسي وفق مؤشرات السنوات التي مرت على اندلاع المواجهات؟