لن تمرّ إنتقاداتُ وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف للموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا بالعجز عن تحريك مفاوضات السلام من دون أيّ تداعيات، خصوصاً أنّها جاءت قبل ساعات على لقاء نظيره الأميركي جون كيري في موسكو سعياً لمعالجة أزمات أذربيجان وأوكرانيا وسوريا وتوحيد النظرة الى التّصنيف الجديد للإرهاب. فمَن سيدفع الثمن؟
لا يُخفي المسؤولون الأمميون الكبار الذين يعاونون دوميستورا قلقهم المشترك إزاء الفشل في تحديد مواعيد جديدة لإستئناف مؤتمر جنيف بين أطراف النزاع السوري قبل أن يتلقّوا الدفعة الأخيرة من الإتهامات الروسية عقب انهيار سلسلة مواعيد مبدئية لاستئناف الحوار والتي كان آخرها التاسع من تموز الجاري.
والى جانب هذا القلق، فإنّهم لا يُخفون انزعاجهم من الفشل الذي انتهت اليه البرامج الإنسانية والخطوات الهادفة الى تأمين المؤن والمواد الغذائية والطبّية للمناطق المحاصرة.
ويلفتون إلى أنّه على رغم حجم الجهود التي بُذلت لترتيب سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار خُصّصت للبحث في طريقة فتح المعابر الآمنة الى مناطق الصراع من دون أيّ نتيجة ايجابية، لم يوجّه دو ميستورا أيّ إتهام مباشر الى أيّ طرف إقليمي أو دولي بالعرقلة بعدما تبادلوا جميعاً هذه الأدوار، فأعاقوا الخطط الرامية الى هذه الغاية.
ويشيرون إلى ما شهدته المبادرات الأممية وتلك التي شاركت فيها مؤسسات إنسانية دولية ومحلّية من وقائع مؤلمة وقاسية لم تخرج الى العلن، «خصوصاً أننا كنا على يقين أنّ بعض ما حصل كان يُعبّر عن عجز دولي وإقليمي بالتحكّم بما جرى، وفشل الطرفين في «ضبط جماعاتهما» في بعض المحاور فيما شهدت أخرى نوعاً من التواطؤ بين «الوكيل والأصيل».
ويوضح المسؤولون الأمميّون: لدى كلّ طرف دولي نقاط ضعف يعترف بها في الغرف المغلقة حيث كانت تدور المفاوضات، وهو أمر ناتج إمّا عن سوء إدارة محلّية أو هو تعبير عن خلافات داخلية في صفوف الطرفين وخصوصاً في المحطات الكبرى.
ذلك أنه لم يكن سرّاً أنّ أطرافاً في الحلف الدولي كانت تواجه النظام ومعارضيه في آن، كانت تتنازع الأدوار قياساً على حجم المصالح المختلفة فيما ظهر جليّاً الخلاف بين روسيا وأطراف أخرى من حلفائها رغم وقوفهم في المواجهة نفسها الى جانب النظام.
وفي ما يُعدّ رداً غير مباشر على الملاحظات الروسية التي اتّهمته بالعجز عن تحريك مفاوضات السلام السورية، يقول أحد المقرّبين من دوميستورا إنه لم يكشف يوماً عمّا يعانيه، واكتفى بحصر ملاحظاته في أروقة الأمم المتحدة ومحادثاته في أكثر من عاصمة ولا سيما في موسكو وواشنطن كما في جنيف وقبلها في فيينا، ولم يخرج عن هذا السلوك الأممي لأنّ هدفه واضحٌ ويبقى على مختلف الأطراف الأخرى أن تكون واضحة في تعاطيها مع الأزمة.
ويكشف أنّ دوميستورا وفريقه سجّلا باللغة الديبلوماسية ملاحظات في كلّ الإتجاهات، كما نصح الأميركيّين سابقاً باستعادة المبادرة من جانب الحلف الدولي ولم ينجح في ذلك لأكثر من سبب قد يكون أحدها انشغالهم بالإنتخابات الرئاسية.
وهو وجّه في الأيام القليلة الماضية ملاحظات مماثلة الى القيادة الروسية ولا سيما منذ إشتداد المعارك في حلب على وقع الحديث عن تفاهمات محلية لترتيب وقف النار في شهر رمضان، خصوصاً أنها تزامنت مع إعلان النظام عن مبادرات لتخفيف العمليات العسكرية في وقت كانت قواته وحلفاؤه يخوضون أقسى المواجهات في ريف حلب لإطباق الحصار عليها بمشاركة صامتة للطيران الروسي.
لذلك، يعتبر دوميستورا أنّ كلَّ ما يحدث قد وضع حدّاً للجهود المبذولة لتقديم الحلول السياسية والديبلوماسية على العسكرية، لا بل إنّ الأميركيين والروس قد نسفوها، ومعها كلّ ما بُني حتى اليوم من خطوات على طريق السعي الى المرحلة الإنتقالية.
ولذلك لن تقدّم الملاحظات الروسية الجديدة أو تؤخّر في المسار السلمي ما لم يحقّقوا مع الأميركيين إنجازاً جديداً يمكن أن يدفعوا من خلاله كلّ الجهود السلمية رغم معرفتنا أنّ مثل هذا الإنجاز ليس سهلاً.
فهما يناقشان بالإضافة الى الأزمتين الأوكرانية والأذرية – الأرمينة توحيد الرؤية حول تصنيف جديد للمجموعات الإرهابية في سوريا ويُعدّون العدة لعمليات عسكرية تواكب ما يشهده العراق وهو ما ينفي أهميّة الإتهامات الروسية ويضعها في غير مكانها.
وقد أسرّ دو ميستورا أخيراً أمام قيادات لبنانية أمنية وسياسية صديقة التقاها، أنه يدرك تماماً أنه سيكون من بين أولى ضحايا أيّ خلاف أو تفاهم روسي – أميركي، وهو لن يبقى صامتاً ويُعِدّ العدّة لتلك المرحلة رغم اعتقاده أنها لن تكون بعيدة، ولكن لكلّ آنٍ أوانه.