الأنظار تتّجه إلى كيفية تعاطي «حزب الله» مع توجُّه الحريري المحتمل لتأييد ترشيح عون للرئاسة
الإمعان بالتعطيل إستجابة لقرار طهران.. أم الإندفاع لتأييد عون رغم اعتراضات برّي؟
إن إقدام زعيم «تيار المستقبل» على تأييد ترشيح عون كشف مواقف القوى والأطراف السياسية على حقيقتها من مسألة ترشيح عون للرئاسة
كانت سهام وحملات «حزب الله» و«التيار العوني» تنصبّ باستمرار خلال العامين الماضيين على زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري وتتّهمه وكتلته الأكبر في البرلمان زوراً وخلافاً للواقع بأنه هو من يعطّل انتخابات رئاسة الجمهورية لامتناعه عن تأييد ترشيح النائب ميشال عون مرشّح الحزب للرئاسة، في حين يعلم القاصي والداني أن الحزب هو المعطِّل الرئيسي للانتخابات من خلال منعه لنواب كتلته والعديد من حلفائه من حضور جلسات انتخاب الرئيس التي قاربت الخمسين حتى اليوم لارتباط قراره بالنظام الإيراني الذي يسعى لمقايضة موافقته للإفراج عن الانتخابات الرئاسية بمكاسب في السيطرة والنفوذ وغيرها من المسائل المتعلقة بعلاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً.
ولكن ما إن تبدّلت الوقائع بعدما طال أمد الفراغ الرئاسي لأكثر من عامين وفشلت كل التحركات والمبادرات التي قام بها الرئيس الحريري لإتمام الانتخابات الرئاسية وكان آخرها تأييده ترشيح زعيم تيّار «المردة» النائب سليمان فرنجية منذ ما يقارب العام والرفض القاطع الذي جوبه به من «حزب الله»، وما أن شاعت أخبار انفتاح زعيم «تيار المستقبل» على خيار انتخاب عون للرئاسة واحتمال الإعلان عن تأييده لهذا الترشيح وتبنّيه، حتى ظهرت الاعتراضات والمعوقات لهذا الترشيح من قبل حلفائه في الثامن من آذار وحلفاء «حزب الله» تحديداً أكثر بكثير من خصومة السياسيين الآخرين من القوى المسيحية المستقلة وغيرها، وأصبحت العقد والصعوبات التي تعترض انتخابه مرتبطة بحلفائه أكثر من خصومه كما ظهر ذلك بوضوح.
والآن تكثر التساؤلات عمّا إذا كان تأييد الرئيس الحريري لترشيح النائب ميشال عون للرئاسة بعد حصوله سيكفي لتسهيل انتخابه للرئاسة في ظل استمرار رفض رئيس المجلس النيابي نبيه برّي ومن يجرّ معه من الحلفاء والأصدقاء تأييده، أم سيؤدي ذلك إلى بقاء أزمة الانتخابات الرئاسية تراوح مكانها من دون أي تحقيق تقدّم يذكر بهذا الخصوص؟
لا شك ان اقدام زعيم «تيار المستقبل» على تأييد ترشيح عون للرئاسة، سيشكل تحولاً مفصلياً بارزاً في خريطة القوى السياسية ويعطي دفعاً قوياً لوصول رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، الا ان اكتمال هذه العملية حتى نهاياتها يتطلب مراقبة كيفية تصرف «حزب الله» حليف النائب عون الأساسي وحليف الرئيس برّي في الوقت نفسه بالتعاطي مع الانقسام الحاصل، وهناك وجهتا نظر تتقاسمان ما يمكن ان يحصل، الأولى تقول بأن «حزب الله» سيتعاطى بإيجابية مع توجه الرئيس الحريري لتأييد ترشيح مرشّح الحزب منذ البداية النائب ميشال عون، لأنه لا يستطيع مواجهة هذا التأييد بالرفض المطلق باعتباره يحقق له مكسباً سياسياً من خلال رضوخ خصومه السياسيين لمطلبه الذي ينادي ويصرّ عليه باستمرار، ولأن الرفض يعني ان كل ما كان يسعى إليه الحزب كان زائفاً وواجهته يتلطى وراءها لتعطيل الانتخابات، وهذا الموقف السلبي سيؤدي حتماً إلى تداعيات سلبية على العلاقات التحالفية التي حكمت العلاقة بين الطرفين منذ توقيع ورقة التفاهم قبل حوالى العشر سنين.
اما وجهة النظر الثانية، فترى ان تعاطي «حزب الله» مع مسألة الانتخابات الرئاسية، ينطلق بالاساس من موقف النظام الإيراني وتوجهاته بهذا الخصوص كما ظهر ذلك جلياً في الاتصالات والمباحثات التي جرت بين أكثر من دولة وكبار المسؤولين الإيرانيين خلال العامين الماضيين، وليس انطلاقاً من كيفية تعاطي الحزب مع موقف هذا الحليف أو ذاك لأن ذلك يعتبر مسألة ثانوية بالرغم من اهميتها وتأثيرها، باعتبار ان الحزب لا يمكنه تخطي أو تجاوز قرار طهران التي ما تزال تمسك بورقة الانتخابات الرئاسية خلافاً لكل الادعاءات المغايرة لذلك.
فإذا كان قرار النظام الإيراني ثابتاً ومستمراً بتوجيهات مباشرة من مرشد الثورة كما كان عليه منذ بداية الفراغ الرئاسي وحتى اليوم، فلن يندفع الحزب إلى دعم ترشيح عون للرئاسة بعد إعلان الرئيس الحريري لتأييده، وسيتلطى الحزب بموقف رئيس مجلس النيابي الرافض حتى النهاية لتعطيل الانتخابات الرئاسية تنفيذاً لأوامر النظام الإيراني وسياساته، حتى لو أدى ذلك إلى نقمة «التيار العوني» وتحلله من تعهداته وتحالفه مع الحزب.
ويبقى ان اقدام زعيم «تيار المستقبل» على تأييد ترشيح عون كشف مواقف القوى والأطراف السياسية على حقيقتها من مسألة ترشيح عون للرئاسة، في حين ان الأنظار تتجه إلى كيفية تعاطي «حزب الله» مع هذه الوقائع والمواقف الجديدة وهو ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة، ويتبين من كان يدعم ترشيح عون للرئاسة ومن كان يعطله من تحت لتحت.