الثابت في القمم العربية هو الطقوس. والمتغير هو المواقف تبعا للعلاقات الثنائية والمناخ الاقليمي والدولي. قمم القرارات الفعلية أقل بكثير من قمم المصالحات بين قادة مختلفين وقمم تكبير الخلافات. وكل بلد لديه مطلب يريد التبني العربي له، فيصوغ فقرة يناقشها المندوبون الدائمون ثم وزراء الخارجية لتأخذ مكانها في البيان الختامي للقمة. والكل يعرف ان البيان حبر على ورق للاستهلاك المحلي داخل البلدان.
ولا يبدّل في الأمر كون التحديات أمام العرب كبيرة جدا في قمة البحر الميت. فالحروب الدائرة في سوريا وليبيا واليمن والعراق تشارك فيها بشكل مباشر أو غير مباشر دول عربية في صراع أو تناغم مع قوى اقليمية ودولية. وليس للجامعة العربية دور في مساعي التسويات التي تقوم بها الأمم المتحدة عبر موفدين خاصين. والفارق كبير في زحام القضايا العربية بين واقع الاهتمامات وبين القول ان قضية فلسطين هي القضية المركزية. وهو أكبر بين التركيز في الخطاب على الأمن القومي العربي وبين إعطاء الأولوية عمليا لأمن النظام في كل بلد على حساب الأمن القومي العربي، وأحيانا على حساب الشعب في البلد.
ذلك اننا نواجه صعود الدور الايراني والدور التركي بعد الدور الاسرائيلي في غياب الدور العربي. والأسباب متنوعة وأشد تعقيدا من حصرها بغياب المحور المصري – السوري – السعودي الذي تولى لعقود قيادة العالم العربي. فالرابطة الدينية باتت متقدمة على الرابطة الوطنية والرابطة القومية. والمذاهب بدت كأنها شعوب مستقلة لكل منها مركز اقليمي. والنفي الذي صدر بعدما استخدم الملك عبدالله الثاني للمرة الأولى تعبير الهلال الشيعي تبخّر في الواقع من حيث برز تعبير القمر السنّي.
والتحدّي الكبير أمام قمة البحر الميت التي يستضيفها الملك الأردني هو احياء العروبة. ومن الصعب على العرب النجاح في مواجهة التحديات الأخرى من دون النجاح في مواجهة هذا التحدي. فالفصل الواضح في الصراع الجيوسياسي لتقاسم النفوذ في المنطقة هو تقاسم الشعوب. ايران تتصرّف على أساس ان الشيعة في كل بلد هم شعب خاص مرتبط بالمركز في طهران ومشروعها الاقليمي. وتركيا تتصرّف على أساس ان السنّة في كل بلد هم شعب خاص مرتبط بالمركز في أنقرة ومشروعها الاقليمي. المشروع التركي تعرّض لضربة قوية بسقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر وفشل تقدمهم في سوريا وخروج أوباما من السلطة. والمشروع الايراني قاتل عن نفسه في العراق وسوريا وهاجم في اليمن، وسط من يرى بداية تراجعه مع وصول ترامب الى البيت الأبيض، ومن يقول ان مستقبل المنطقة له.
ولا خلاص إلاّ بمشروع عربي يبدأ من إحياء العروبة واقامة دول الحق والقانون والمواطنة.