Site icon IMLebanon

مهل الاتفاق النووي تُبقي لبنان على خطّ التوتر

الاستنتاج السريع لمفاعيل الاتفاق النووي وارتداده على لبنان ودول المنطقة، لم يلحظ أن مهلة الاشهر المقبلة ستكون مختبراً لمواجهات مؤيدي الاتفاق ومعارضيه

في غمرة انشغال لبنان بملفاته الداخلية المتشعبة، تراجع الاهتمام الداخلي بما يجري في سوريا، سواء لجهة التطورات العسكرية بين النظام ومعارضيه على اختلافهم، أو لجهة ما تقوم به تركيا من هجوم على تنظيم «داعش» في سوريا وحزب العمال الكردستاني في العراق، وصولاً الى الخطاب الاخير للرئيس السوري بشار الاسد. ومع تزايد حدة الخلافات الداخلية حول النفايات والآلية الحكومية، مرّ الاتفاق النووي الايراني، على قاعدة الانقسام الداخلي المعتاد، من دون الالتفات الى تداعياته المباشرة على لبنان والمنطقة.

من الواضح أن ثمة استنتاجات سريعة تفترض أن ثمار الاتفاق ستقطف سريعاً، وفي الأمد القريب. وهذه حال حلفاء إيران، كما حال أخصامها. ففي لبنان، اتخذت التطورات الاخيرة منحى تصاعدياً، انطلاقاً من رغبة القوى المتخاصمة، ومن وراءها، في استثمار ارتداد الاتفاق بين إيران والدول الخمس زائداً واحداً في المرحلة الراهنة. لذا تعددت القراءات، لا بل الخلاصات، التي تتحدث عن سيناريوات تتراوح بين انتخابات رئاسية في الاشهر القليلة المقبلة، والتعويل مجدداً على حركة إيرانية وفرنسية لإنضاج هذه الطبخة، وبين تصعيد مقابل، يتصل بالوضع الحكومي والملفات المتفرعة منه، لإحداث مزيد من الضغط على الفريق الذي اعتبر نفسه فائزاً في معركة النووي.

لكن الواقع الذي تعكسه الأجواء الاوروبية والاميركية يناقض ما تذهب اليه القوى اللبنانية في قراءة مرحلة الاشهر المقبلة. فالاتفاق، بترجماته العملية، وبانتهاء مراحل التصديق عليه في الولايات المتحدة، بعدما صادق عليه مجلس الامن الدولي، وتحوله قابلاً للتطبيق الاولي تمهيداً لرفع العقوبات، بعد تقديم التقارير المفروضة، يحتاج الى فترة لا تقل عن ستة أشهر. وهذا يعني أن المرحلة الاولى لا تنتهي إلا مع نهاية العام الجاري. وتبعاً لذلك، ورغم أن قادة لبنانيين يتعاملون مع الاتفاق النووي بوصفه نووياً فحسب ولا مندرجات إقليمية له، إلا أن القراءات الدولية على تنوّعها تفترض أن كل الملفات الاقليمية تتقاطع مع الاتفاق، ما يعني أنها ستكون بدورها معلقة حتى بداية سنة 2016.

القراءات الدولية تفترض ان بحث الملفات الاقليمية معلق حتى بداية 2016

في هذه المرحلة الفاصلة، كان من الطبيعي أن يتصرف محور إيران من جهة، ومحور الدول المعارضة لها، وعلى رأسها السعودية، من جهة أخرى، على قاعدة إعداد عدة المواجهة. وقد بدأت بعض عناصرها تظهر فعلياً من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان.

يريد المحوران المتخاصمان تأطير سبل المواجهة التي أصبحت مكشوفة أكثر بعد الاتفاق النووي. لكنهما أيضاً، وبحسب أحد السياسيين اللبنانيين، يحاولان التأقلم مع الواقع الذي فرضه القرار الاميركي بعدم التورط مباشرة في الرمال الاقليمية المتحركة، مع إبقاء التوازنات الاقليمية بين المحورين المذكورين قائمة. فالتراجع الاميركي عن التدخل ميدانياً، يترجم بضرورة تولي كل بلد ــ وتلقائياً كل محور ــ مقدرات سياسته الداخلية والخارجية، من دون أن يعني ذلك تخلي واشنطن عن دور المتابع والمراقب والمساند. لكن لكل دولة «راشدة» أن تقوم بدورها أيضاً في إطار الخط الدولي المرسوم، كما هي الحال مع محاربة الارهاب على سبيل المثال، ما يفترض بطبيعة الحال أن تسعى السعودية ومصر والاردن ودول الخليج الى منظومة عمل لمحاربة الارهاب والمنظمات الارهابية، على أنواعها، من دون أي تدخل مباشر من الولايات المتحدة. لكن ما يظهر حتى الساعة أن هذه الدول تشدّ عصبها لمحاربة الارهاب، وأيضاً لتطويق مفاعيل الدور الايراني الجديد، بعد الاتفاق النووي، بحيث لا تسمح هذه الدول لإيران بالتنّعم بتثبيت نفوذها من العراق الى البحر المتوسط، فتعمل على مؤازرة سنّة العراق وبعض المعارضة في سوريا وحلفائها في لبنان، منطلقة من اليمن كخط يرسم حداً فاصلاً بين السياسة السعودية قبل حرب اليمن وبعدها.

وإذا كانت تركيا بوصفها تملك حرية حركة أكثر من الدول التي تنتمي الى المحور العربي، بادرت الى فرض أسلوبها عبر ضرب «داعش» وحزب العمال الكردستاني، فلأنها أيضاً تحاول، في عصر ما بعد النووي، أن تعتمد خطاً منفرداً في إظهار نفسها دولة سنيّة متقدمة لا تقاطع بينها وبين دول الخليج العربي.

في المقابل، تريد إيران شدّ عصب حلفائها من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان، علماً بأنها سلمت بواقع الحال الذي استجدّ في الاشهر الاخيرة، في سوريا والعراق في صورة أكثر وضوحاً، حيث فرضت التطورات العسكرية والميدانية موازين قوى جديدة. وبقدر ما ستحاول إيران، في الاشهر المقبلة، تقديم صورة جديدة لها في العالم الغربي، تعدل من الصورة النمطية السابقة، ستكون الدول المناوئة لها في تحدّ أكبر لمواجهة الصعود الايراني المطّرد، وتقزيم البقع التي تريد تحقيق انتصارات فيها، ولبنان من ضمن هذه البقع. ومن المبكر، تبعاً لكل ما ورد، أن تكون الساحة اللبنانية في منأى عن مفاعيل الكباش الاقليمي. فإذا كان الاستقرار الامني واحداً من العناوين التي طبعت مرحلة ما قبل النووي، فمن غير الضروري أن يبقى هذا العنوان صالحاً ما بعد الاتفاق. وثمة مؤشرات كثيرة لدى المعنيين المتابعين في لبنان على أن المس بالاستقرار قد يحمل وجوهاً كثيرة، قد لا تكون تقليدية بالمعنى الذي اعتدناه.