Site icon IMLebanon

الطريق المسدود

الجلسة الأولى للحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه برّي لم تخرج في نتائجها، وما دار خلال انعقادها عن توقعات جميع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية لجهة أنها أكدت على عمق الهوّة بين الأفرقاء المجتمعين ليس فقط في البنود المدرجة على جدول الأعمال، بل في مفهوم ونظرة كل فريق إلى النظام، فمشروع الثامن من آذار على سبيل المثال هو تغييره إلى نظام رئاسي عبّر عنه بكل وضوح وصراحة رئيس تكتل التغيير والإصلاح بمقولة انتخاب الرئيس من الشعب، ومهما حاول تبريره لهذا الأمر فلا يمكنه بأي شكل من الأشكال أن يقنع أحداً من اللبنانيين وغير اللبنانيين أن انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب هو الانتقال من النظام الديمقراطي – البرلماني المعمول به منذ قيام الجمهورية إلى النظام الرئاسي وهذا معناه، بكل بساطة، عملية انقلاب على النظام الذي أثبت على مر عشرات السنين أنه النظام الأمثل بالنسبة إلى بلد كلبنان قائم على التنوّع الطائفي وعلى التعددية، وهذه الميزة جعلته الأكثر حرية وديمقراطية وجعلته رسالة على حدّ تعبير بابا روما السابق.

وجاءت ردود الفعل على هذا الطرح من قبل ممثلي 14 آذار تؤكد الرفض القاطع والجازم لهذا الطرح الانقلابي، وتؤكد مجدداً تمسكها بالنظام البرلماني الديمقراطي مع ضرورة تطويره ما حوّل الحوار حول هذه النقطة بالذات إلى حوار طرشان وفضّل رئيس المجلس الداعي إلى انعقاده رفع الجلسة إلى الأربعاء المقبل، اقتناعاً منه أن لا جدوى من استمرار النقاش بين المتحاورين لأنها وصلت إلى الحائط المسدود، أي إلى الخاتمة الحزينة، ولم يعد ثمة من معنى أو حدّاً أدنى من إمكانية الاستمرار في مثل هذا الجدل العقيم، لا سيما وأن فريق 14 آذار يحصر الحوار بالاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية وفق الآلية التي نص عليها الدستور قبل الانتقال إلى بحث أي بند من البنود الأخرى المدرجة على جدول أعمال الطاولة.

من هنا يصح القول أن الحوار إنتهى بانتهاء الجلسة الأولى، ولم يعد ثمة حاجة إلى الاستمرار فيه ما دام كل الأمور أصبحت واضحة، وما دام أن الخلاف الأساسي استمر على حاله بل وصل إلى الحائط المسدود بعد مجاهرة العماد عون بإصراره على الانقلاب على النظام البرلماني الديمقراطي القائم والذهاب إلى النظام الرئاسي.

وفي اعتقادنا أن الرئيس برّي نفسه لم يعد يعوّل أي أمل ولو بنسبة واحد بالمئة على هذا الحوار حتى بالنسبة إلى باقي بنوده كتفعيل عمل مجلس النواب والحكومة والاتفاق على قانون جديد للانتخاب يكون عادلاً ويعطي المسيحيين كل حقوقهم كما يطالب رئيس التيار الوطني الحر على سبيل المثال لا الحصر وثمة من يقول بأن الرئيس برّي لم يراهن على نجاح هذه الطاولة الحوارية وكان يعرف تماماً أنها أشبه ما تكون بحوار الطرشان لكن الظروف الداخلية الصعبة جعلته يطلع بهذه المبادرة لعلّها تخفف من ضغط الشارع أو أنها تستلهم الحلول من هذا الضغط.