IMLebanon

موسم الفيروسات القاتلة في المنطقة: «داعش» و«إيبولا»!

أنه موسم «الفيروسات» في المنطقة، وحذار من اثنين منهما: «داعش» و»إيبولا»، فكلاهما قاتل.

ماذا عن كيفية مواجهة هذه الأخطار؟

حول «الدولة الإسلامية» تلتقي مجموعة من الآراء والمعلومات على أن مكافحة فيروس «داعش» سيحتاج الى وقت طويل يتراوح بين ثلاث سنوات وعشر سنوات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى وباء «ايبولا»، اذ اعلنت حالات الطوارئ الصحية في كثير من الدول لعزله والمصابين به، وليس من علاج فعال وحاسم للتغلب نهائياً على الهلاك منه.

وحيال الارباك الذي يتخبط به الرئيس الأميركي باراك اوباما على اكثر من جبهة ومكان، قرر الابتعاد عن السياسة – ولو الى حين – والتصدي لـ «ايبولا». فقد امر بإرسال اربعة آلاف جندي اميركي الى عدد من الدول الأفريقية المعرضة لانتشار الوباء اكثر من اي مكان آخر وأعرب عن أمله بالنجاح، فهو يريد ان يبحث عن انتصار في اي مكان في العالم. وبعد ان صدم بعدم ادراك دوائر الاستخبارات المركزية بالمعـــلومات الدقيقة عن حجم وخطورة «داعش»، يقول انه لا يثـــق بقدرات الجيــش العراقي في القضاء عليه وإخراج عـــناصــره من مدينة الموصل وجوارها، وهذا يعني عملياً صعوبة مقاومته في وقت قريب، الأمر الذي يطرح السؤال الكبير: كيف سيكون عليه الوضع في المنطقة خلال الشهور والسنوات الآتية؟

إضافة إلى إرهاب «داعش» تعرّضت مصر اخيراً لأخطر الأعمال الإرهابية في شبه جزيرة سيناء والذي اودى بحياة اكثر من ثلاثين جندياً وعشرات الجرحى. وهذا الحادث كان له وقع سيء على الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ظهر بادي التأثر وهو يتحدث عن هذا التفجير الإرهابي ويتّهم «جهات خارجية» بالوقوف وراءه. وللإرهاب في مصر قصة أخرى منفصلة الى حد ما عما يجري في المنطقة، ويمكن القول ان مصر تعاني حالياً ارتدادات وجود الرئيس المخلوع محمد مرسي في السلطة لمدة عام والاتفاقات التي عقدها مع بعض العناصر «المتطرفة»، ومنهم بخاصة من ينتمون الى حركة «حماس». لذلك اعلن عن مجموعة تدابير تتصل ببعض من يقيمون في قطاع غزة من «الحمساويين» مع عناصر ارهابية اخرى حوّلوا تواجد الجنود المصريين في سيناء الى جحيم.

هذا التفجير وضعَ مصر السيسي في عين العاصفة الإرهابية – التكفيرية منذ ان خرجت ملايين المصريين الى الميادين والشوارع تطالب بإقالة مرسي ولم يحدث في تاريخ مصر القديم أو الحديث مثل هذا التحول الجماهيري، عندما تولى السيسي «وضع اليد» على التحرك الشعبي المصري الكبير. ومنذ ذلك الحين تحول الكثير من عناصر «الإخوان المسلمين» الى الأعمال الإرهابية اينما وكيفما تيسّر لهم ذلك.

ويروي الرئيس السيسي انه في واحدة من جلسات استجواب مرسي، سأل الرئيس الحالي حول نيات «الإخوان المسلمين» بالنسبة إلى حكم مصر. وفوجئ السيسي عندما قال له الرئيس السابق: لقد اعددت خطة لحكم مصر لمئتي سنة وأكثر.

ومنذ وقوع تفجير سيناء الأخير أقدم الجيش المصري على تدمير مجموعة كبيرة من الأنفاق التي تربط سيناء بغزة. لكن ما جرى يُدخل مصر في مدار الإرهاب التكفيري، وهذا ما اشار اليه السيسي في خطابه الأخير امام ضباط الجيش مستنهضاً الهمم لمواجهة هذا الإرهاب بكل الوسائل.

وقد باتت المنطقة تخرّج الكثير من الإرهابيين الذين يتم «تصدير» بعضهم الى الخارج. وتُلاحظ حالة الإرباك والاضطراب في عدد من الدول الغربية حيث اكتشفت سلطات امنها عودة العديد من رعاياها وهي «تجيد» صناعة الإرهاب بعدما اكتسبت خبرات قتالية متنوعة في سورية او العراق، وعادت الى الدول التي تحمل جنسيتها كقنابل موقوتة. وبصورة خاصة يشار الى بريطانيا وفرنسا.

لقد بات باستطاعة مقاتلي «داعش» الزعم انهم في جانب، والعالم كله تقريباً في الجانب الآخر، وقد بدأت الدول التي اعلنت عن تحالفها لمواجهة «داعش» بالتذمر من التكلفة العالية لـ «الحرب من فوق»، اي التي تقتصر على قصف المقاتلات الجوية، فكأن الدول الغربية «المتحالفة» لن تتابع المسيرة في ملاحقة «داعش»، اضافة الى ان عنصر الحسم يقتصر في جزء كبير منه على الحرب البرية، ولا يبدو حتى الآن ان هناك من تطوع لخوضها. وهذا يعني اســـتبعاد الحــزم والحـسم في الوقت المنظور.

ولا يمكن الحديث عن أخطار الإرهاب من دون التعرض لما يشهده لبنان. فقد اظهرت قوات الجيش شجاعة كبيرة في مقاتلة الإرهابيين في بعض احياء عاصمة الشمال طرابلس، وسقط للجيش عديد من الشهداء. وهناك تأييد لقوات الجيش في ما تخوضه من مواجهات في طرابلس في الشمال وعرسال في البقاع، حيث يتم احتجاز عدد من الجنود وعناصر من قوى الأمن الداخلي، وتعتمد العناصر الخاطفة على ابتزاز الدولة وأهالي المخطوفين عبر تقديم بعض المطالب التي تصفها مصادر لبنانية متابعة أنها من نوع المطالب التعجيزية. ويسعى رئيس الحكومة تمام سلام الى ادارة هذه الأزمة بالحفاظ على توازن دقيق يقوم بين الرغبة في تحرير الرهائن المختطفين وبين الحفاظ على الحد الأدنى من هيبة الدولة او مما تبقى منها!

وقد عاد الرئيس سلام من مؤتمر برلين للدول المانحة ببعض الوعود في ما يتعلق بالتعاطي مع ازمة النازحين السوريين، لكن ليس من ضمانات مؤكدة لجهة تأمين دفع المبالغ المالية التي تعهدت بها بعض الدول. وكان سلام واضحاً في ابلاغ الدول المانحة التي حضرت المؤتمر ان موضوع النازحين السوريين يمثل تحديات كبيرة لحكومته. وقدّر سلام المبلغ المطلوب بصورة عاجلة لمواجهة المشكلة بثلاثة بلايين دولار. كذلك ابلغ سلام المجتمعين أن هذا التمويل على اهميته «لا يكفي وحده لمساعدتنا في مواجهة الصعوبات والضغوط الكبيرة التي يمثلها الحجم الكبير لوجود هذا العدد من النازحين السوريين في بلد صغير كلبنان».

وفي جانب آخر سادت القناعة في اوساط مؤتمر برلين بأنه لا يمكن الشروع في حل جذري لمشكلة النازحين من دون اعادة توطين عدد غير قليل منهم في دول اخرى. كما سادت اجواء المؤتمر احاديث عن انه لا يمكن التفكير بأي حل جذري للمشكلة إلا بحدوث تقدم واضح في الداخل السوري، وهذا ما لا يبدو انه وشيك الوقوع.

وبالعودة الى الهم الأمني فإن ما ظهر في اشتباكات طرابلس، والحديث عن تسلّل بعض المسلحين الى مناطق جردية قريبة في المنطقة، لا يقدّم القصة الكاملة لمعاناة لبنان من الإرهاب، بل ان ما تم العثور عليه من وثائق «ومضبوطات» اوضح وجود خطة متكاملة لتفجير الأوضاع في مدينة صيدا. وهنا يبرز سؤال المتابعين: هل انتهت في الشمال لتبدأ في الجنوب؟

وبعد…

أولاً: بالنسبة إلى الموقف الأميركي فهو في حالة جمود سياسي، ومتى عرف السبب بطل العجب. والسبب قرب اجراء الانتخابات التشريعية لاختيار جميع اعضاء مجلس النواب وثلث اعضاء مجلس الشيوخ في اميركا.

وتفيد المؤشرات بأن الحزب الجمهوري سيبقى محتفظاً بأكثريه مقاعد مجلس النواب، مع احتمال ان يستيعد السيطرة على مجلس الشيوخ. وقالت مصادر اميركية بوضوح تام: لا تتوقعوا منا اي قرار بإدانة اسرائيل في هذا التوقيت بالذات، بانتظار اجراء الانتخابات.

وأن يكون المـــوقف الأميركي اسرائيلياً فهذا ليس بجديد، لكن ان يكون القرار الأميركي رهن الإرادة الإســرائيلية الى هذا الحد، فهذه هي المأساة.

ثانياً: يلاحظ أن الدول المنضوية ضمن «التحالف الدولي» لمواجهة «داعش» بدأت تشكو من ضيق ذات اليد، وذلك بكشف تكاليف القذائف الصاروخية التي تطلقها طائراتها. فهل هذا يعني مقدمة لـ «فرط» هذا التحالف؟

ومن المفارقات اللافتة: في كل مرة تقصف فيها طائرات التحالف «مواقع الداعشيين» يزداد عدد مؤيدي هذا التنظيم، فيما يلاحظ تزايد عدد المعترفين بصلاحية وقوة «داعش»، فما هي قيمة «الحرب من فوق» من دون تفكير بحرب برية تشكل تركيا، الدولة الوحيدة المؤهلة لذلك.

ثالثاً: حتى الأمس القريب كان استخدام تعبير سايكس – بيكو مقتصراً على نخبة معينة وفريق محدود من المحللين، أما اليوم فأصبح ترداده اكثر شيوعاً وتداولاً في الحديث عن «التوزيع الجديد لمناطق النفوذ الدولية في الشرق الأوسط».

لكن على المتعاطين بالتحليل السياسي والاستراتيجي ان يدركوا ان المتغيرات ذات الأبعاد والمصالح الدولية لا تحدث بين ليلة وضحاها، بل ان عامل الزمن يجب ان يأخذ مداه المطلوب لإحداث تغييرات جذرية في تركيبة المنطقة.

ثم ان هذا النوع من التغيير النوعي في خرائط المنطقة لا يحدث بقرار او بتصريح، بل الأمر سيكون نوعاً من تكريس الواقع في ضوء عمليات الفرز المذهبي والطائفي والعرقي التي جرت وتجري في اماكن مختلفة من العالم ومن المحيط الى الخليج. وفي خضم هذا الأتون الذي يغلي ليؤلف حالة بركانية من التفجير المنتشر في اجواء المنطقة، على الدول الصغيرة ان تدرك حجمها الطبيعي، لا ان تتصرف كما يتصرف الكبار.

فالحديث عن الكبار لا يصنع كبيراً، والكبير هو الواقعي البراغماتي الذي يزن الأمور بكل دقة ودراية وعمق. وما أفدح الأمر عندما يصبح الصغار الذخيرة الحية لتضارب مصالح الكبار.