نقف في هذه اللحظة السياسية على مشارف توقيع صفقة العصر الأميركية – الاسرائيلية، وهي صفقة تفوق في حجمها المادي ما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد كشف النقاب من رصد أموال خلال القمة الأميركية – الأفريقية في نيويورك عام 2015 (قمة الاستثمار على الجيل المقبل) لدعم مشروعات أو استثمارات تنموية وأمنية على مساحة القارة الافريقية.
إنّ هذه الصفقة، التي ستُوقّع بموجب مذكّرة تفاهم أميركية – إسرائيلية يجرى إنجازها لتوقيعها في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما وتشمل أكبر تعهّد منفرد لتقديم مساعدات عسكرية إلى أيّة دولة من الدول في التاريخ الأميركي، وكان اتفاق مالي مشابه قد وُقّع عام 2007 وينتهي أجله سنة 2018 أتاح لإسرائيل تمويلاً عسكرياً بمبلغ 30 بليون دولار.
لا بدّ من الإشارة بداية إلى أنّ الصفقة الأميركية – الإسرائيلية تتمّ في غفلة عن العالم العربي الذي يعاني أقسى درجات الوهن والضعف والتفكك وتحويل انتباهه وجهده نحو اهتمامات أخرى، ولا بدّ من الإشارة أيضاً الى أنّ هذه الصفقة تتمّ في ذروة الهجمة الاستيطانية الإسرائيلية التي هي موضع انتقاد عالمي وأميركي، وإنها تدعم الرفض الإسرائيلي لانعقاد مؤتمر دولي (المشروع الفرنسي) لتشجيع عودة الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي.
وهي تأتي وسط استمرار التنكّر الاسرائيلي للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفي الطليعة حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس.
المعلومات المؤكّدة تشير الى وصول رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي ايزنكوت الى واشنطن في زيارة وُصفت بأنها للعمل والتنسيق لمدة أربعة أيام حيث يحلّ ضيفاً على رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزف دانفور.
كما وصل الى واشنطن للغاية نفسها يعقوب نبغل القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي في ديوان رئيس حكومة العدوّ لإنهاء المفاوضات على صفقة المساعدات الأمنية والعسكرية الأميركية لإسرائيل خلال السنوات العشر المقبلة (2018 – 2027).
الصفقة الأميركية – الإسرائيلية تتمّ وسط صمت عربي مطبق على عكس الضجيج والاعتراضات العربية على الاتفاق النووي بين إيران ودول (5 + 1)، وحتى من دون تسجيل ردّ فعل فلسطيني.
في كلّ الحالات لا بدّ من لفت الانتباه إلى أنّ هذه الصفقة لم تتم بشكلٍ مريح للحكومة الإسرائيلية التي حاول رئيسها ابتزازَ الإدارة الأميركية خلال مراحل المفاوضات مع إيران وصولاً الى محاولة إخضاع الاتفاق النووي للشروط الإسرائيلية أو على الاقل انتزاع ثمن إسرائيلي (مناسب).
ووفق المصادر، فإنّ نتنياهو طالب الإدارة الأميركية برفع مبلغ الصفقة الى 45 – 50 بليون دولار، علماً أنّ الإدارة الأميركية تدعم إسرائيل بقيمة 30 مليار دولار كلّ عشر سنين وذلك منذ العام 1978 (عام اجتياح اسرائيل الأول للبنان من خلال عملية الليطاني واستخدامها قنابل الكانستر الإسرائيلية، ولتشجيع (سلامها) مع مصر).
مطالب نتنياهو برفع قيمة المساعدة الأميركية انطلقت من أساس أنّ الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) يفرض على إسرائيل تحدّياتٍ وأخطاراً أكبر، وعندما أبرزت إدارة أوباما اختلافها مع وجهة نظر نتنياهو، لجأ الأخير الى الكونغرس وأخذ يُحرّض على الإدارة وبدأ يُلمّح الى انتظار الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركيّة لتوقيع الاتفاق، وقد لعب نتنياهو على أوتار الكونغرس حتى وصل الصراع الى ذروته في 25 نيسان، عندما وقّع 83 من أعضاء مجلس الشيوخ رسالة (على خلفية الارتفاع الدراماتيكي في التحدّيات الأمنية التي تواجه إسرائيل) تدعم زيادة حجم المساعدات لإسرائيل وتوفير الموارد لها والحفاظ على تفوّقها النوعي، وهو الأمر الذي رفضه البيت الأبيض.
وجرت محاولة إسرائيلية للتنكّر للرسالة، وأنه تمّ توقيعها من دون معرفة إسرائيل ولا نتنياهو ولا سفيره في واشنطن، فطلبت إدارة أوباما بصدور تصريح عن أعضاء مجلس الشيوخ يتضمّن الإعلان أنهم وقعوا الرسالة من دون معرفة الحكومة الإسرائيلية.
وترفض الإدارة الأميركية استمرارَ الحكومة الاسرائيلية في إنفاق ما يصل الى 40 في المئة لشراء معدات أو وقود من إسرائيل بلا استفادة الصناعة الأميركية، وتطلب وقف العمل بترتيب خاص يسمح لإسرائيل بإنفاق 26.6 في المئة من المساعدات (الدفاعية) على صناعات إسرائيل العسكرية، عوض إنفاقها على شراء منتجات أميركية.
وترى إسرائيل ذلك بمثابة توقيع عقوبة الموت على الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وهو الأمر الذي سيؤدّي الى فصل نحو عشرة آلاف عامل من المصانع الإسرائيلية. وذكرت معلومات أنه وبنتيجة المباحثات جرى اقتسام مدة الاتفاق بحيث تستمرّ إسرائيل في شراء الصناعات الحربية الإسرائيلية خلال السنوات الخمس الاولى على أن تقلّص الولايات المتحدة الميزانية تدريجاً حتى الصفر باستثناء المشاريع المشترَكة مثل مشاريع الصواريخ.
وكان الكونغرس الإسرائيلي قد قرّر منح إسرائيل مبلغ 600 مليون دولار خلال السنة المالية 2017 دعماً لمشاريع صناعة الصواريخ الإسرائيلية، كما أنّ الإدارة الأميركية اشترطت على إسرائيل توقيع اتفاق تتعهّد فيه عدم اللجوء الى الكونغرس لزيادة المساعدات.
وقد رضخ نتنياهو لهذا الشرط الذي كان قد تفلّت منه حيث لا يمكن لأية إدارة أميركية أن تنسى «الخيلاء» الذي مثّلته الجلسة المشتركة التي انعقدت للاستماع الى نتنياهو في 4 آذار المنصرم عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني لإبراز خطورة البرنامج النووي الإيراني على إسرائيل والتصفيق العاصف الذي استُقبل به خلال زيارة الكونغرس والتي تمّت بلا استشارة الرئيس.
في كلّ الحالات وبعيداً من البطولات المتبادَلة خلال المراحل المؤدّية الى توقيع الصفقة، فإنّ الصفقة تمثل ذروة تكريس الهزيمة العربية من حيث الشكل والمضمون والتوقيت من دون إغفال أنّ حجمها يصل الى ثلاثة مليارات دولار سنوياً، + زيادة غلاء معيشة + المبالغ التي تصرف على مشاريع تطوير صواريخ مضادة للصواريخ، ما يجعل المبلغ يصل سنوياً الى 3.7 مليارات دولار.
إنّ هذه الصفقة تأتي في وقت تحوَّلت فيه اهتمامات الجيوش العربية نحو مسؤوليات الأمن الداخلي بمواجهة العدوّ الراهن، أي الإرهاب. فهل يأخذ أيّ جيش عربي، (في أيّ استراتيجية أمن عربية)، في الاعتبار مضمون الصفقة العسكرية الإسرائيلية خصوصاً طائرات Au 35 الخفية.