Site icon IMLebanon

صفقة «القرون»

 

من المفارقات المأساوية لواقع العرب اليوم وحكّامهم أن يُقرّر الصّهر الأميركي «جاريد كوشنير» (مستشار البيت الأبيض) مصير فلسطين، نعيش زمناً «ولّادياً»، «ولَيْدات» يقررون مصير شعوب المنطقة وفلسطين أكثر قضايا العرب دراماتيكيّة، واقع فضحه كوشنير الذي أعلن اليوم أنّ «صفقة القرن» ستعلن بعد شهر رمضان!

 

بالتأكيد ليس بسبب التّقى والورع الأميركي ـ العربي تقرير موعد الإعلان المدوّي بعد شهر رمضان، بل لأنّ العرب ينامون نهار رمضان ويأكلون ليله، تتوقّف الحياة بهم في رمضان ومن يستيقظ منهم يكون نصف نائم، «ما حدا فاضي» لفلسطين في رمضان، وعليكم خير بعد رمضان والعيد، هذه «صفقة القرون» ـ بمعناها المجازي الذي يستخدمه العرب ـ وليس القرن، «القرون» العربيّة بلغ طولها المسافة الممتدة من فلسطين إلى الصين، هذه أكبر خيانة في التاريخ العربي المعاصر، وأكبر عمليّة غدر لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيّته، وبتآمر عربي يتفوّق فيه الأحفاد على تآمر الأجداد على الأمتين العربيّة والإسلاميّة وعلى فلسطين وشعبها عندما أسلموها لليهود مقابل ركوبهم عروش الحكم بأيّ خيانة كانت!

 

المضحك ـ المبكي أن يسمّي «جاريد كوشنير» هذه المؤامرة «مقترح السلام في الشرق الأوسط»، عن أي سلام يتحدّث كوشنير بالنيابة عن جميع «أصدقائه» العرب وأي تنازلات سيقدّمها الجانبين، أيّ جانبيْن؟ العرب والفلسطينيين باعتبار أن إسرائيل يكفيها تنازلاً أن تقبل بادّعاء تفاوضها مع العرب! السلام بالنسبة لدونالد ترامب محفزات اقتصادية للفلسطينيين، ولا يتضمن إقامة دولة فلسطينية، ولكن ما هي خطة العرب للسلام، وبعيداً عن «معزوفة» المبادرة العربية للسلام المطروحة منذ القمة العربية في بيروت العام 2000؟!

 

الإجابة عن هذا السؤال ليست صعبة، في الأساس العرب لم يمتلكوا يوماً خطّة، لا للسلام ولا للحرب، كلّه «إرتجال» في السياسة والاقتصاد والخلاف والاتفاق، لا خطّة، ولكن بحسب التمهيدات الصحافيّة لما ينتظر المنطقة بعد شهر رمضان، المتوقع أن تقرّر واشنطن منح عشرات ملايين الدولارات من المساعدات والاستثمار للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك لمصر والأردن، من «كيس» دول الخليج، ولكثرة ما يحترم ترامب هؤلاء «الدفّيعة» ستدفع الفاتورة، فإن إدارة ترامب لم يتم إطلاعهم على تفاصيل الخطة!!

 

ومن الآن وإلى ما بعد شهر رمضان لن تمرّ على المنطقة أيام هادئة، تحتاج المنطقة العربيّة إلى زلزلة توقظها من هذا السبات المرضي، ومن المؤسف أن ما هو آتٍ على الشعوب العربيّة سيأتي وهي ليست الشعوب التي كانت في الأربعينات والخمسينات والستينات والسبعينات، لم تعد تلك الشعوب البلهاء التي كانت تصدّق كلّ مقولات النضال والمقاومة واستعادة الأرض، استبدلت هذه الشعوب أيامها الرتيبة بأيام أخرى تحمل عناوين إنشائيّة، يوم الأسير، يوم الجريح، يوم الشهيد، يوم الأرض، يوم القدس، وهكذا، تغيّرت الشعوب العربيّة، للأسف لم تصبح ناضجة، بل تحوّلت إلى شعوب مستسلمة لامبالية تتفرّج على نفسها وهي تساق إلى الهاوية وتلوذ بالصمت!

 

لا يختلف حال الشعوب العربية عن حال الشعب اللبناني، كلنا مفلسون، حتى الشعوب التي تعوم أرضها على بحور النفظ والغاز الطبيعي، «صفقة القرون» انتهاك واستباحة لكلّ قيمة إنسانية وأخلاقية ووطنيّة وعربيّة، ومع هذا الكل متواطىء على هذه الخيانة الكبرى حتى من يلتزم الصمت العاجز!