لا يزال هاجس المقايضة بين رئاسة الجمهورية والوضع على الحدود الجنوبية يُقلق بعض القوى الداخلية، خصوصاً تلك المعارِضة لـ»حزب الله»، والتي سبق لها في «مناسبات» أخرى ان دفعت ثمن تسويات كبرى، تمّت على حسابها.
ليس خافياً انّ القوى «المرتابة»، ومن بينها «القوات اللبنانية» و»الكتائب» وجهات أخرى، عكست مخاوفها بصراحة عبر مواقف معلنة حاولت من خلالها استباق اي صفقة مفترضة والتحذير منها.
ولعلّ ما يبرّر هذا القلق بالنسبة إلى أصحابه، هو معرفتهم بأنّ الغربيين عموماً والاميركيين خصوصاً هم «ملوك» المقايضات والمساومات على قاعدة البراغماتية والواقعية اللتين يُعرف بهما مهندسو السياسات الدولية وفي طليعتهم صنّاع القرار في واشنطن، من دون أن تكون لديهم تحالفات او صداقات مبدئية، بل وحدها المصالح ثابتة وفوق كل اعتبار.
وكم من مرّة، تحوّل بعض من هم مصنّفون حلفاء للولايات المتحدة إلى «ضحايا» للتبدّلات في خياراتها وحساباتها، تبعاً لما تقتضيه المصلحة والمنفعة السياسيتان في هذه المرحلة او تلك.
ولكن، هل لدى «حزب الله» من جهته أي «قابلية» لإبرام صفقة مع واشنطن، على أساس أن «يأخذ» رئيس الجمهورية في مقابل ان «يعطي» تسهيلات وضمانات حدودية تسمح باستتباب الأمن على «خط التماس» مع الاحتلال الإسرائيلي وعودة المستوطنين النازحين الى مستعمراتهم في شمال فلسطين المحتلة؟
صحيحٌ انّه لا بدّ في نهاية المطاف من ان تنعكس نتائج معركة غزة وامتداداتها الجغرافية على مستقبل الإقليم ومن ضمنه لبنان، ربطاً بما تنطوي عليه هذه المعركة من أبعاد إستراتيجية، الاّ انّ ذلك لا يعني، وفق العارفين، انّ الحزب يدفع نحو الربط العضوي بين الملف الرئاسي والمواجهة المندلعة على الحدود الجنوبية مع شمال فلسطين المحتلة.
وقد سبق لنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم التأكيد أن لا ربط للاستحقاقات السياسية، سواءً كانت مسألة رئاسة الجمهورية أو غيرها، بما يجري في الجنوب، ولا توجد مقايضة بين ما يجري في الجنوب وأي استحقاق سياسي، لافتاً الى انّه «لو اتفق اللبنانيون على رئيس للجمهورية الآن، فنحن جاهزون أن نذهب للانتخاب غداً، وسنتابع جهادنا في مواجهة إسرائيل واستعدادنا في كل لحظة لانتخاب الرئيس إذا تمَّ الاتفاق».
اما عدم استعداد الحزب للدخول في لعبة المقايضة فيعود، تبعاً للمطلعين، الى الأسباب الآتية:
– انّ الحزب بطبيعته وطبعه ليس من النوع الذي يمكن أن يبرم صفقات تحت الطاولة مع واشنطن.
– انّ الإصرار المعلن والمتكرّر من قِبل الحزب على ربط التهدئة في الجنوب بوقف العدوان على غزة، لا يمنح في الأصل مجالاً للأخذ والردّ حول ملفات أخرى، وهو ليس في وارد إعطاء اي إشارة إلى استعداده لخوض مفاوضات جانبية قبل إنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني.
– انّ تمسّك الحزب بدعم ترشيح سليمان فرنجية هو موقف ثابت أساساً، قبل الحرب الإسرائيلية وبعدها، وإن تكن هذه الحرب قد عززت قناعته بصوابية خياره الاستراتيجي في تأييد فرنجية.
– انّ مستقبل الوضع على الحدود هو ملف أمن قومي، منفصل عن أي اعتبار داخلي، وما تقدّمه المقاومة من تضحيات هناك ليست للمساومة على اي مكسب سلطوي، وبالتالي فإنّ موقف الحزب من اي ترتيبات لاحقة متصلة بالحدود، إنما يرتبط حصراً بمقاربته لكيفية ضمان مصلحة لبنان من حيث حماية سيادته وتحرير ما تبقّى من اراضٍ محتلة، بمعزل عن أي استحقاق آخر.
– انّ الحزب يعرف من فهمه للتركيبة الداخلية وتجاربه المتراكمة، انّ قوته الوازنة في مواجهة العدو الاسرائيلي وإنجازاته على هذا الصعيد، لا تُصرف، وفق قيمتها الفعلية والحقيقية، في النظام السياسي اللبناني المستند الى توازنات وتوافقات من غير الممكن تجاوزها، بل هي تستوجب، عند كل استحقاق مفصلي كالانتخابات الرئاسية، حصول تقاطعات وتفاهمات وطنية، يشكّل الحزب احد أطرافها الأساسيين حُكما ولكنه لا يختزلها.